أما صالح قوج فإنه لما سمع هذه الحكاية قال: هذا شيء عجيب، كيف يقتل هذا ظلما؟ والذين صدر الأمر بقتلهم ثلاثة أشخاص، والمدافع التي أطلقت بإعلان قتلهم ثلاثة، وجثث القتلى التي أصبحت مطروحة في خندق القلعة ثلاث! فإن كان هذا الرجل قتل غلطا وخطأ فإني أفحص عن الرجل الذي كان يستحق القتل وأوقع القبض عليه. مع أن هذا الظالم الماكر قتل في تلك الليلة أربعة أشخاص دون ذنب ولا جناية بدل أربعة أشخاص صدر الأمر بقتلهم، فرشوه وخلّى سبيلهم، وقتل عوضا عنهم من لا ذنب لهم وألقى جثثهم في خندق القلعة، كما أخبر بذلك من كان عالما بحقيقة الحال.
انتهى ملخصا من تاريخ جودت باشا، مع زيادة قليلة وقفت عليها في بعض المجاميع، وقد ذكر فيها أن زعماء الثائرين في هذه الحادثة هم من السادات وأن الصلح وقع أخيرا مع اليكجرية فقط بسبب مخامرة السادات عليهم، ولذا كان معظم من قتل في تلك الوقعة من السادات. قلت: هذه الحادثة كانت من أهم الحوادث التاريخية وأعظمها بحلب، حتى إني رأيت في بعض الفهارس الإفرنجية الواردة من باريس أنه يوجد في حانوت صاحبها كتاب مخطوط يشتمل على زهاء ثلاثمائة صحيفة، كله في خبر هذه الواقعة. وفي الحال كتبت في طلبه إلى باريز فرجع الجواب إليّ بأنه بيع قبل وصول كتابي.
وفي أواخر هذه السنة ١٢٣٥ حول خورشيد باشا إلى إيالة المورة، وولي حلب مصطفى باشا البيلاني صاحب الحمّام المنسوب إليه في محلة الفرافرة تجاه مزار النسيمي بحلب، وهو الذي جدد هذا المزار، وزوجته ماهلقا مدفونة فيه، وهي صاحبة السبيل الكائن في أواخر سوق العبي في حضرة المفارق الأربعة. وفي سنة ١٢٣٧ ولي حلب إبراهيم باشا.
[الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها:]
في نحو الساعة الثالثة من ليلة الأربعاء بعد العشاء الأخيرة ثامن وعشرين من شهر ذي القعدة من هذه السنة ١٢٣٧ هـ الموافق آب سنة ١٨٢١ م زلزلت حلب زلزالا شديدا امتد حكم سلطانه الرهيب إلى مسافات بعيدة عن حلب، انتهت حدوده شمالا إلى مرعش، وجنوبا إلى حمص، وشرقا إلى الفرات، وغربا إلى إسكندرونة. زحفت جيوشه الجرارة إلى جميع هذه البلاد وما في ضواحيها وصحاريها من البلدان والقرى. وكان أعظمها مصيبة