قال ابن الوردي: وفيها مزّقنا كتاب «فصوص الحكم» بالمدرسة العصرونية بحلب عقيب الدرس وغسلناه- وهو من تصانيف ابن عربي- تنبيها على تحريم قنيته ومطالعته. وفي ربيع الأول وصل الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي نائبا إلى حلب وكان حسن السيرة، وفيها حاصر يلبغا نائب حلب زين الدين قراجا بن دلغادر التركماني بجبل الدلدل- وهذا الجبل ممتنع، موقعه في جانب جيحان- فلم ينل منه يلبغا طائلا بل قتل كثير من عسكره وأسر. واشتهر اسم زين الدين وعظم على الناس شرّه. وكانت هذه الحركة من يلبغا في غير محلها.
وفيها كانت الزلزلة العظيمة المزعجة العميمة، أخربت كثيرا من الأماكن ودخلت إلى مصر والشام، وتواتر بعدها الزلزال مدة فسكن الناس في الصحاري، وتشعّث في جامع حلب بعض الجهات وانفتحت منارته ثم التأمت، وتهدم كثير من القلاع والحصون، ومات تحت الردم خلق كثير وكاد الخراب يعم مدينة منبج. وفيها يقول ابن الوردي:
منبج أهلها حكوا دود قزّ ... عندهم تجعل البيوت قبورا
ربّ نعّمهم فقد ألفوا من ... شجر التوت جنة وحريرا
وقال أبو محمد الحسن بن حبيب الحلبي، فيمن خرج إلى برّ حلب خوفا من الزلزلة:
يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا ... وتباعدوا لما رأوا زلزالها
ما زلزلت شهباؤنا وتحرّكت ... إلا لتخرج عامدا أثقالها
وفي سنة ٧٤٦ في ربيع الآخر نقل يلبغا نائب حلب إلى نيابة دمشق، وخلفه الأمير سيف الدين أرقطاي، فأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها، ورفع عن القرى الطّرح وكثيرا من المظالم، ورخّص السعر، وسرّ به الحلبيون. وفيها كتب على باب القلعة وغيرها من القلاع نقرا «١» في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كانوا يدفعونه لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير، وذلك علوفة أحد عشر يوما عن كل سنة أمضاها المتوفّى في الجندية، وهذا القدر هو التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية. وهذه مسامحة بمال عظيم.