وهدمتها بالكلية. وأما ميناؤها فكانت من أحسن المواني على البحر المتوسط وهي من عمل الصناعة. تبلغ مساحتها ميلا في مثله بعيدة عن البحر مقدار غلوة كانت تدخل إليها السفن من البحر بمعبر عظيم وتبقى فيها آمنة من كل غائلة. وقد استمرت مستعملة إلى أيام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري الذي استرد أنطاكية وما جاورها من البلاد من أيدي الفرنج الصليبيين. ودفعا لغائلة عودهم إلى تلك الجهات من الميناء المذكورة أمر بإبطالها فأبطلت وردمت بالتراب وزال الانتفاع منها. والآن يقدم على البحر تجاهها بعض سفن تجارية شراعية وقليل من البواخر فلا تتمكن هذه السفن والبواخر من الأخذ والعطاء إلا بمشقة زائدة.
قال ياقوت: وقد أقطع الوليد الوليد بن عبد الملك جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير عليهم الفلز (وهو بسيط من الأرض معلوم كالفدّان والجريب) بدينار ومدي قمح فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. ولعل السيوف السلوقية والكلاب السلوقية منسوبة إليها. وفي بعض الكتب: كان في جبال الشغر الجارح والكلاب السلوقية الموصوفة من بلاد السلوقية فنسبا إليها، وهو صحيح. والكلب السلوقي يعرف بدقة الرأس وطول الأنف والرقبة وضمور الصدر وطول القوائم ودقتها «١» وصغر الأذنين وتدليهما عند طرفيهما فقط وطول الذنب ودقته كثيرا. وهو يسبق الخيل بعدوه ويصيد بالشّمّ لا بالنظر.
[علاوة نذكر فيها ما علمناه في أنطاكية وبعض نواحيها]
زرت مدينة أنطاكية مرات عديدة وعرفت شيئا من أخلاق أهلها ومحاسن بلدهم ومساويها وجلت في نواحيها وقراها وجبالها وسهولها وأحطت خبرا بما اشتملت عليه من العمران وبما تدرّ على قطانها من الخيرات والبركات فلم أر مدينة ولا صقعا من الأصقاع يضارع أنطاكية وأصقاعها في خيراته ومنتزهاته وطيب مائه وجودة هوائه.
أول ما يتراءى للمقبل على مدينة أنطاكية من جهة حلب سفح جبل حبيب النجار