وفي سنة ٥٥٢ في تاسع عشر صفر وافت زلزلة عظيمة، وتلاها عدة زلازل أثرت في حلب تأثيرا أزعج أهلها، وهدمت عدة حصون من حمص وحماة وكفر طاب وأفامية.
ولم يسلم من عطب هذه الزلازل في البلاد الشامية إلا النادر. وكان معظم هذه الزلازل بحماة ثم بحلب، وكان يتبع الزلزلة صيحات مختلفة كالرعود القاصفة، وقد هلك بها كثير من الخلق حتى حكي أن بعض المعلمين بحماة فارق المكتب لمهمّ فجاءت الزلزلة فأخربت الدور وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. قال المعلم: فلم يأت أحد يسأل عن صبيّ كان في المكتب. وجملة من هلك في إحدى هذه الزلازل عشرة آلاف نسمة. وهلك أكثر بني منقذ تحت الردم بشيزر، وهم حكامها. فسار إليها نور الدين وملكها وفيها اهتم نور الدين بعمارة القلاع والأسوار التي هدمتها الزلزلة وأغار على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد.
[سنة ٥٥٤ مرض نور الدين وغير ذلك من الحوادث:]
في هذه السنة مرض نور الدين مرضا شديدا أرجف بموته «١» بقلعة حلب. فجمع أخوه أمير ميران بن زنكي جمعا وحصر قلعة حلب. وكان شيركوه بحمص، وهو من أكبر أمراء نور الدين، فسار إلى دمشق ليستولي عليها وبها أخوه نجم الدين أيوب، فأنكر أيوب عليه ذلك وحسّن له الرجوع إلى حلب وقال له: إن كان نور الدين حيا خدمته وإن كان قد مات فأنا في دمشق، فافعل ما تريد. فعاد شيركوه إلى حلب مجدّا وجلس نور الدين في شبّاك يراه الناس، فلما رأوه تفرقوا عن أخيه أمير ميران واستقامت الأحوال.
[أخبار الحوادث من سنة ٥٥٥ إلى نهاية سنة ٥٥٨:]
في سنة ٥٥٥ قصد «ربنلد» ملك إيطاليا البلاد التي استولى عليها نور الدين من جوسلين، ونهب فيها من يقطنها الأرمن والسريان، وعاد إلى أنطاكية. وقبل وصوله إليها خرج إليه مجد الدين نائب حلب وأخذه أسيرا وقيده وأحضره إلى حلب. وفي سنة ٥٥٨ كان نور الدين نازلا في البقيعة تحت حصن الأكراد، فكبس عسكره الفرنج وهجموا