الكنيسة الثالثة كانت تدعى بكنيسة مثقال وأن صاحب الترجمة في أيام قضائه بحلب وذلك من سنة ٧٢٤ إلى سنة ٧٢٧ انتزعها من يد اليهود وجعلها مسجدا للمسلمين وأنه لم يفعل هذا الفعل إلا بعد أن ثبت لديه أنها محدثة في دار الإسلام وكان ثقة في دينه لا يظن في مثله ظلم، ولو لم يثبت لديه كفلق الصبح أنها محدثة لما جعلها مسجدا ولو كان في عزمه أن يظلم اليهود لما قنع منهم بأخذ هذه الكنيسة الصغيرة بل في قدرته أن يأخذ منهم كنيستهم الصفراء دون أن يعارضه أحد في وقته لما كان عليه اليهود وغيرهم من ضعف الشوكة وما كان عليه المسلمون من قوتها. فالظاهر أن الحجر المذكور مأخوذ من غير عمارة ومبني بها أو هو مزور حادث ليس بقديم يؤيد ذلك كونه مرصوفا في موضع لا يستدعي التفات الناظر، أي إنه مبني بعرض الجدار لا فوق باب ولا نافذة كما جرت العادة في وضع الحجارة المنقوشة التي يقصد منها بيان التاريخ أو غيره. على أن نفس الحجرة والجدار التي بنيت فيه ليسا بقديمين بل هما من عمارة المسلمين. يظهر ذلك بأدنى تأمل. ثم أي داع يدعو إلى كتابته باللفظ العربي في التاريخ الذي دل عليه مع أن العرب لم يكونوا موجودين في حلب في ذلك التاريخ، وهل يوجد في الكتابات الموجودة في بقية آثارهم القديمة كتابة لفظها عربي غير هذا.
[الرياسة الدينية على اليهود في حلب]
الرياسة الدينية على يهود حلب كانت منوطة بأرشد واحد من الطائفة المعروفة في أيامنا بطائفة ديان الذين يدعون اتصال نسبهم بنبي الله داود عليه السلام. فكان لا يعقد نكاح إلا بمعرفته ولا يعتبر صك شرعي عندهم إلا بتصديقه حتى هاجر إلى حلب جم غفير من يهود بلاد الأندلس سنة ٨٩٨، فكان فيهم الغني وذو المعرفة والسياسي والفلكي. ولذا قام أحد وجهائهم المشهور عندهم باسم (ربي شلومولنيادو باعيل هكيليم) أي مؤلف الظروف وقام معه جملة من زمرته الغرباء ورفضوا رياسة ابن ديان وولوا ربي شلومو مكانه وأناطوا به فصل الدعاوي بين المتخاصمين وعقود الأنكحة وتصديق الصكوك وغير ذلك إلا أن الإسرائيليين الحلبيين لم يزالوا يراعون حقوق طائفة الديان ويخصونها بعقد الاتفاق بين الخطيب ومخطوبته وتصديق سند المهر المؤخر للزوجة وإجراء الختان وقراءة استغفار معلوم عندهم ليلة العيد المسمى بالعبرانية كبور أي عيد الغفران يقرؤه أحد أفراد هذه الطائفة