وصرح بها للفريقين المتحاربين. فرفضت دولة ألمانيا قبول هذا الاقتراح لأن كثيرا من الشروط المقررة فيه مما يجحف بحقوقها ويوجب تمزيق جامعتها. وكان الرئيس ويلسون مستاء من ألمانيا لما بلغه عنها أنها تنزع إلى حرب إمريكا كما أسلفنا بيانه في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان «سبب دخول دولة إمريكا إلى هذه الحرب» من هذا الجزء.
وحينئذ أعلن الرئيس ويلسون الحرب على ألمانيا فجند مئات الألوف من الجنود الأميركية، وساقهم إلى الجبهة الغربية في البلاد الفرنسية فانضموا إلى جيوش دول الاتفاق الواقفين في صفوف الحرب تجاه صفوف الألمان، وكانت الحرب بين الفريقين مدة شهرين سجالا، وكانت جيوش ألمانيا من جهة ثانية تحارب أعداءها الآخرين الروس المعدودة جيوشها بالملايين المنبثّين في الجهة الشرقية كالجراد المنتشر كثرة وتهافتا على الموت. والقائد الألماني هندنبورغ داهية الحرب ينفث في تلك الجيوش كل يوم من سموم خدعه الحربية ما يهلك منهم مئات الألوف قتلا وأسرا وإحراقا وغرقا حتى كاد الفناء يعمّهم.
[الهرج والمرج في روسيا:]
ولما وصلت الحالة في روسيا إلى هذا الحد قامت أحزاب الاشتراكيين الروسيين على ملكهم الإمبراطور نيقولا فقبضوا عليه وأزالوه عن عرشه، وقتلوه مع أسرته رميا بالرصاص كما يرمي القانص فريسته، ثم أحرقوهم وذرّوا رمادهم في الهواء زاعمين أنه هو الذي جرّ على روسيا هذه الحرب الطاحنة فأباد خضراءها وأضاع شرفها وحطّها من حالق مجدها، وأنزلها من شامخ عزّها، وجعلها عرضة للفاتحين بعد أن كان يقال في حقها: ما أفلح فاتح في روسيا قط. وإن روسيا هي إحدى الدولتين التي ستملك الأرض بأسرها. ولما قامت الأحزاب المذكورة على الوجه الذي بينّاه وقع الهرج والمرج في الممالك الروسية وتضعضعت جيوشها، واختلفت كلمة شعوبها المركّبة من عناصر مختلفة وأمم في طباعها متنافرة غير مؤتلفة، فانقسموا على بعضهم وافترقوا إلى خمس عشرة حكومة، كل منها ينادي بانفصاله عن روسيا واستقلاله بنفسه، وضربوا الصفح عن محاربة الألمان لأنهم لم يبق لهم على حربهم حول ولا قوة، وتصامّوا عن تحريض دول الاتفاق إياهم على الثبات أمام عدوهم والدفاع عن بلادهم.
ثم تمكنت فرقة منهم من العود إلى كفاح الألمان ومناضلتهم غير أن هذه الفرقة لم تلبث