طولها ثلاثة أذرع أو أكثر وكان الأغنياء وأولو الوجاهة من الناس يجعلون في فم القصبة حلمة عظيمة قد تكون قدر بيضة الحمام من الكهرباء يسمونها (أمزك) أو (طقم) وربما تبلغ قيمة البعض منها ألف قرش وزيادة، لأنها قد يكون بين قطعها خواتم مرصعة بالألماس والأحجار الكريمة، وكان لصنعة قصبات التدخين في حلب عدة حوانيت، واشتهر بهذه الصنعة عدة بيوت يعرف أحدها ببيت الجبوقجي، كما أن البوادق- التي يحرق فيها التبغ المدخّن بالغليون- كان لها عدة حوانيت يعرف أصحابها بالبوادقجية وهم يعملونها من الطين، ولأهلها براعة في عملها. وقد أشرنا إلى هاتين الحرفتين في الكلام على صنائع حلب من الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة ١٢٧١ ولي حلب إسماعيل رحمي باشا.
[ظهور بقلة الطماطم في حلب:]
في هذه السنة ظهر في حلب بقل عرف باسم (باذنجان أفرنجي) أو باسم (بنادورة) أحضر بزره من مصر أحد التجار وزرع في حلب فأنجب وأخصب، غير أن الحلبيين لم يألفوا أكله في أوائل ظهوره بل كان بعضهم ينفر منه، حتى إن بعض البسطاء كان إذا رآه أو ذكر في حضوره ينطق بالشهادتين توهما منه أنه من الخضر المحرّمة التي اخترعها الفرنج. وكان النادر من الناس إذا رضي بأكله يقتصر على الأخضر مطبوخا ويتحامى الناضج الأحمر منه زاعما أن هذا (وخم) مضرّ يسبب الأمراض. ثم على تمادي الأيام ألف للناس أكله وصاروا يتحامون الأخضر منه ولا يستعملونه إلا مخلّلا، وأقبلوا على استعمال الأحمر الناضج إقبالا زائدا حتى صاروا يعملون من عصيره دبسا يدخرونه للشتاء لتطبيب أطعمتهم التي لا تلذ في أذواقهم إلا بعد أن يضاف إليها شيء منه.
وفي سنة ١٢٧٢ ولي حلب حمدي باشا فبقي فيها مدة وكثرت شكوى الناس منه، فندبت الدولة لفحص أحواله رجلا يقال له أمين أفندي محاسبه جي، فحضر إلى حلب وفحص أحواله فثبت لديه ظلمه وتجاوزه على أموال الدولة. فأنهى بعزله، فعزل وولى حلب مصطفى باشا الأشقودري. وفي سنة ١٢٧٤ وليها الحاج محمد كامل باشا. وفي سنة ١٢٧٥ وليها محمد رشيد باشا. وفي شتاء هذه السنة أثلجت السماء في حلب وضواحيها أربعين يوما، فخربت عدة بيوت ومات ما لا يحصى من الأغنام وتعطلت الطرق.