في رمضان هذه السنة عظمت الفتنة بين السادات واليكجرية في حلب، وجرى بينهما منازعة وقتال، وتغلّب اليكجرية على السادات فالتجؤوا إلى جامع الأطروش وحاصروا فيه، ومنع اليكجرية وصول الماء والقوت إليهم وشددوا عليهم الحصار، ونفذت «١» أقواتهم وعيل صبرهم وأشرفوا على الهلاك من الجوع والعطش، فاستأمنوا اليكجرية فأمّنوهم على أنفسهم وحلفوا لهم الأيمان المغلظة على ذلك. فوثق السادات منهم وفتحوا أبواب الجامع فما كان إلا أن هجم اليكجرية عليهم وفتكوا بهم قتلا وجرحا وسلبا وسبيا، والسادات يستجيرون بهم ويستغيثون بالنبي وآله فلا يلتفتون إليهم. وكانوا يقتلون السادات على أنحاء شتى: فمنهم من يقتلونه نحرا في عنقه، ومنهم من يبقرون بطنه، ومنهم من يفلقون بالسيف هامته، ومنهم من يذبحونه من قفاه أو من عنقه، ومنهم من يطرحونه في البئر أو في حفيرة حيا. وكان السيد يستغيث بشربة من الماء قبل أن يقتلوه، فلا يغيثوه بل يقتلوه «٢» ظمآن. ومن الغريب أن يكجريا ظفر بأخيه السيد وأراد أن يقتله فاستغاث بشربة ماء قبل القتل، فبال في فمه وقتله.
جرى ذلك والوالي غائب عن حلب لمحاربة بعض الخوارج على الدولة. ولما اتصل الخبر بالدولة ولّت حلب شريف باشا والي مرعش- وهذه الولاية الثانية- فأسرع الكرّة إلى حلب وتدارك الحال وأطفأ نار الفتنة. وقد نظم شعراء العصر في هذه الوقعة عدة قصائد نعوا فيها السادات وهجوا اليكجرية. فمّما قاله الشيخ محمد وفا الرفاعي- من قصيدة- قوله:
كلّ المصائب قد تسلى نوائبها ... إلا التي ليس عنها الدهر سلوان
هي المصيبة في آل الرسول فكم ... سرى بأخبارها في الناس ركبان
من آل بيت رسول الله شرذمة ... من النوابغ أحداث وشبان
آووا لبعض بيوت الله من فرق ... من العدو، وللأعداء عدوان
فجاء قوم من الفجّار تقصدهم ... فآمنوهم، ولكن عهدهم خانوا