وفي ليلة الجمعة سابع وعشرين صفر منها المصادف حزيران الرومي تغير الجو في قصبة ريحا وبرد الهواء بردا شديدا لم يعهد مثله في الشتاء الشديد حتى اضطر الناس للتدثر بالملابس الشتوية وإيقاد النار في بيوتهم وفيها صدرت إرادة سنية بمنع زرع التبغ المعروف بالتوتن.
وفيها كان إخضاع الأعراب المتمردين على الدولة في صحراء حلب بعد مقاومة شديدة وكثرة القتل والأسر في رؤسائهم. وقد أخذت منهم قرعة شرعية واستفلحوا وعانوا الزرع والفلح. وفي ربيعها الثاني زينت البلدة زينة حافلة فرحا بعود المرحوم السلطان عبد العزيز خان من سياحته في أوروبا إلى العاصمة.
[حريق أسواق حلب:]
وفي الساعة السادسة من ليلة الأحد ثالث جمادى الأولى، المصادف الليلة الحادية والعشرين من آب سنة ١٢٨٧ رومية، شبّت النار من دكان في وسط سوق الصاغة ولم يدركها رجال الدرك إلا وقد سرت إلى ما جاورها، ثم انتقلت إلى الأسواق المتصلة بذلك السوق فاستعرت والتهبت وانفتحت منها أبواب جهنم، وأخذ الناس يفرّغون حوانيتهم إلى الجامع الكبير حتى صار فيه تلال من الأرزاق ومنهم من لم يتمكن من تخليص رزقه.
وكان الدخان يعلو في الجو طبقات متراكما بعضه فوق بعض، أسود حالكا كأنه قطع السحاب المكفهرّ، وقد ارتفع من أسفله مارج النار يتلظى كالطّود العظيم الذي يسمع منه دوي وفرقعة تقشعر منها النفوس.
ولم تزل هذه النار الحاطمة في اضطرام وهيجان حتى أتت على سوق الصيّاغين والبزازين المعروف بسوق البالستان، مع جميع تشعباته وزواياه وخلاياه، وسوق العقّادين وسوق الطرابيشية وسوق القوّافين، وبعض سوق استانبول الكائن وراء شرقية الجامع الكبير.
وقد أحصي ما احترق من الحوانيت والدكاكين فكانت ٣٢٣ دكانا وحرر ما احترق من الأموال المنقولة تقريبا فكان يساوي ما قيمته عشرة آلاف كيس (الكيس خمسمائة قرش) . ومن لطف الباري تعالى على عباده أن النار لم تصل إلى سوق العطارين، مع أنها لم يبق بينها وبينه إلا مسافة بضعة أذرع. ورأيت عند بني المركوبلي مكتوبا مذيلا بنحو مائتي توقيع من تجار الملل الثلاثة في حلب يتضمن عبارات الشكر من الخواجه نقولا