البالستان- فأصابت شابا من بيت ونّس فقتلته في الحال، فظن الناس أن هذه الطلقة من جهة الجنود التركية أو الألمانية الذين وصلوا إلى حلب؛ مع أن الجنود المذكورين لم يصلوا إلى حلب إلا بعد ستة عشر يوما كما يأتي بيانه.
وفي يوم السبت والأحد وقع نظير ذلك الذعر في السوق المذكور، وكان سببه قيام جماعة من السّفلة والغوغاء للنهب والسلب، وهم من العساكر الفارّين الذين خرجوا من مخابئهم آمنين غائلة القبض عليهم، وحينئذ أدرك الأهلون والحكومة أن إبطال قضية القبض على العساكر الفارّين مضرة بالمصلحة العامة فأعيد القبض وبطل الخوف من السّفلة والمتشردين.
[نسف محطات وسقوط حمص وحماة وغيرهما:]
وفي هذه الأيام وردت الأخبار من جهات حمص وحماة بأن الجنود التركية والألمانية حملهم اليأس من مقاومة جنود العرب والإنكليز على أن يحرقوا جميع المحطات بين رياق وحلب وينسفوا شبكاتها الحديدية، ويهدموا سائر ما في هذا الطريق من الجسور وينسحبوا إلى جهة حلب، وأن العرب أتوا على أثر انسحابهم واستولوا على حمص وبعلبك وحماة.
[خوف الجنود التركية وموظفي حكومتها وارتحالهم من حلب:]
وفي هذه الأيام وقع الخوف في حلب وشاع أن العرب يصلون إليها يوم الجمعة عشرين محرم. فأخذت الجنود التركية الألمانية والجم الغفير من موظفي الحكومة العثمانية يسرعون الرحيل من حلب إلى جهات استانبول والأناطول؛ خوفا من وقوعهم أسرى في قبضة الإنكليز، أو من تسلّط أهل البلد عليهم انتقاما منهم على ما كانوا يفعلونه معهم في أثناء هذه الحرب من المظالم وأنواع التعدي. فازدحم في محطة بغداد موظفو حلب مع موظفي دمشق وبيروت وحمص وحماة وغيرها من البلاد الشامية والساحلية ومعهم نساؤهم وأطفالهم وقاسوا في برهة ليلتين مرّت عليهم هناك- وهم تحت السماء- من الجهد والبلاء ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وكان الرجل العظيم من هؤلاء الموظفين يرضى أن يتيسر لركوبه ولو حافلة دوابّ، حتى إن قاضي حلب سليمان سرّي أفندي ركب في حافلة دواب وعدّ ذلك نعمة عظمى.