البيوت ويستخرجون ما يجدونه فيها من المؤنة فيأكلون منه قدر شبعهم ويضعون الباقي في حقائبهم.
ولهذه الأعمال الفظيعة خرب الكثير من القرى في الجهات الشرقية والجنوبية وغيرهما من ولاية حلب وجلا أهلها عنها، وأصبحت خرابا يبابا لا أنيس فيها ولا جليس.
[حبس الأقوات عن المدينة المنورة وجهات بيروت:]
ومن المنفرات العظيمة: حبس جمال باشا الأقوات عن المدينة المنورة وجبل لبنان، كيلا يبقى لأهلهما همّ غير خلاص أنفسهم من غائلة الجوع، فيكون في ذلك شغلهم الشاغل عما كان يتوهمه فيهم من العصيان والتمرد على الحكومة العثمانية والانحياز إلى أعدائها.
وقد جلا أهل المدينة عنها ونالهم من المشقة والزحمة ما يعجز القلم عن بيانه، وجلا البعض من أهل لبنان عنه وهلك بالجوع- ممن بقي فيه- عشرات الألوف. وكان جمال باشا يودّ أن يقدر على تنفيذ هذا المقصد في دمشق وحلب غير أنه لم يوفق إليه بسبب كون هذين البلدين من البلاد الزراعية التي يتعذر خلوّها من الأقوات. على أنه مع هذا أمكنه أن يرمي شيئا من سهام هذا البلاء أهل حلب حينما قلّت فيها الأقوات وغلت أسعارها ومات الكثير من فقراء أهلها بالجوع، والأقوات كثيرة متوفرة في المستودعات العسكرية وجهات ماردين وغيرها، مع عدم ترخيصه بإعطاء شيء من المستودعات أو إحضار مقدار من الجهات المذكورة تخفيفا لويلات أولئك الفقراء.
[منع إخراج البضائع من مواضعها:]
ومن المنفّرات أيضا ما جرت عليه الجهة العسكرية في إبان هذه الحرب من العادات المضرة بصالح الأهليّين، التي من جملتها أن المواد الغذائية وجميع البضائع التي تصرف في حاجيات الحرب والعساكر لا يجوز إخراجها من بلدة إلى أخرى إلا إذا كان الذي يريد إخراجها ضامنا، أي ملتزما لها على شرط تسليمها إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة في غير بلدة فإنه يرخص له بإخراجها، وإدارة السكة الحديدية توافق على شحنها له إلى الجهة التي يريد أن ينقلها إليها.
هذه القاعدة أوقعت بالأهلين أضرارا عظيمة وأفقدت المساواة بينهم في المعيشة، وفيما