الموظفون في المخافر لحفظ الأمن فتركوا مخافرهم وتوجهوا إلى منازلهم. ولما سمع هذا الخبر المجلس الذي أمر بانعقاده الوالي العثماني ظن أن الوالي هو الذي أمر قائد الدرك بذلك، وأن الحكومة العثمانية قد انسحبت وتخلت عن حفظ البلدة، فاهتم المجلس بتأليف قوة من أهل البلدة لتقوم بحفظها ريثما تدخل الحكومة الجديدة.
[صدور أمر الوالي بحل المجلس الذي أمر به:]
وفي صباح يوم الخميس تاسع عشر محرّم الجاري دعا الوالي العثماني عبد الخالق بك رجال المجلس الذي أمر بانعقاده، وأنكر عليه سعيه بتأليف القوة المحافظة وأخبره بأن الحكومة لم تنسحب بعد من حلب، وأنه إنما أمر بهذا المجلس ليتذاكر معه في بعض الشؤون التي بواسطتها يتم استتباب الأمن والراحة حتى تدخل الحكومة الجديدة، وأن القائد العثماني يقول إن حفظ البلدة من خصائصه وإنه لا يرضى بتأليف قوة من أهل البلد لأجل حفظها إلا إذا جعلت هذه القوة تحت أمره ونهيه. وبالحقيقة أن الوالي والقائد أساءا الظنّ بهذا المجلس وتوهما أن القوة التي يؤلفها ربما أوقعت بهما وببقايا الأتراك من المأمورين والعساكر الذين لم يتمكنوا من الجلاء مع أن ذلك لم يخطر على بال أحد من أهل حلب الذين ما برحوا إلى ذلك الوقت يهابون الأتراك ويحترمونهم.
[اشتداد الخوف وقيام الأسافل للنهب:]
انسحب المجلس الوقتي لما سمعه من الوالي، وضرب الصفح عن جمع القوة المحافظة التي لا ترضى أن تكون تحت أمر القائد ونهيه، وانسحبت الحكومة العثمانية لأن جميع رجال دركها وشرطتها استولى عليهم الخوف فتركوا وظائفهم، والجنود النظامية لا يوجد منهم في المدينة سوى خمسين أو ستين جنديا لا يمكنهم التجوال في البلدة لحفظ الأمن فيها لأنهم واقفون بالمرصاد للدفاع عن الوالي والقائد إذا تعرض إليهما أحد من الأرمن وأهل البلدة أو غيرهما. وباقي الجنود النظامية قد توجهوا إلى جبهة الحرب المصطفّة تجاه جنود العرب والإنكليز في نواحي الراموسة وقرية خان طومان والشيخ سعيد، فلم يبق في البلدة قوة تحفظ الأمن والسكينة.
وأصبح الناس في هذا اليوم وهو يوم الخميس فوضى لا حاكم ولا رادع لهم. فقام