في القرآن العظيم لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
المعنى أن الله تعالى قد رخص لكم أن تكرموا هؤلاء وتحسنوا إليهم قولا وفعلا وتقضوا إليهم بالعدل والقسط. إن الله يحب المقسطين أي العادلين ومعلوم أن البرّ اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله تعالى ولا يخفى أن الذين يقاتلون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم هم أهل الحرب فأما أهل الذمة فليسوا كذلك بل هم من جملة المقصودين بالبر في هذه الآية فللمسلم أن يعاملهم بكل خير ومعروف يطلق عليه اسم البر.
التصدق على الذمّي
وأما التصديق على فقراء أهل الذمة فقد ورد فيه في القرآن العظيم: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ
قال في تفسير الخازن: قيل سبب نزول هذه الآية إن أناسا من المسلمين كان لهم قرابات وأصهار في اليهود وكانوا ينفعونهم وينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا أبوا أن ينفعوهم وأرادوا بذلك أن يسلموا. وقيل كانوا يتصدقون على فقراء أهل المدينة فلما كثر المسلمون نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة إلى الدخول في الإسلام لحرصه على ذلك فأعلمه الله بهذه الآية إنه إنما بعث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه فأما كونهم مهتدين فليس ذلك إليه.
ومعنى الآية: لا يجب عليك التوفيق على الهدى أو خلق الهدى وإنما ذلك لله وما تنفقونه من مال فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم وإن إنفاقكم المال على المشركين لا تقصدون به غير رضاء الله فأنفقوا عليهم إذا كنتم تبتغون بذلك وجه الله في صلة الرحم وسد خلة مضطر. قال بعض العلماء: لو أنفقت على شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك.
وقد استدل الأئمة من هذه الآية على إباحة صرف صدقة التطوع إلى فقراء المسلمين