هذه المحلة حادثة في حلب ليس لها ذكر في تواريخها وهي خاصة بسكنى المسيحيين على أننا لم نظفر بقول صريح يعين السنة التي أسست فيها. وغاية ما أمكننا استقصاؤه في هذا الباب ما استدللنا منه على أن هذه المحلة كان تأسيسها في أثناء القرن الخامس عشر م أي في القرن التاسع هـ أواخر أيام الدولة الجركسية المصرية بعد حادثة تيمور لنك فقد نقل صاحب كتاب عناية الرحمن حاشية من كتاب ديني محفوظ في مكتبة الموارنة تدل صراحة على أن كنيسة الموارنة كانت موجودة في هذه المحلة سنة ٨٩٥ هـ ١٤٨٩ م وحاشية أخرى محررة على كتاب عربي محفوظ في خزانة الواتكان «١» في رومية العظمى تحت عدد (١٤١) يفهم منه صراحة أن هذه المحلة كانت موجودة في سنة ٩١١ هـ ١٥٠٥ م.
في هذه المحلة عدة دور عظام ذات بهاء وجمال يدلان على ثروة أهلها وعلى ما كانت عليه تجار حلب من النجاح والرباح والغبطة ورخاء المعيشة في ذلك العهد. وهي محلة جيدة الهواء لنظافتها وجفافها لخلوها من مياه جارية فإن الماء الذي يشربه أهلها هو ماء الصهاريج المحرز من المطر والماء الذي يستعملونه في باقي شؤونهم هو ماء الآبار المعينة فإن كل دار من دورها لا تخلو على الغالب من صهريج وبئر ماء معين. ومما كادت تنفرد به هذه المحلة هو أنه في كل دار من دورها على الأكثر مغارة محفورة في الحوار لا يكاد يستغنى عنها في تبريد الفاكهة وحفظ المؤونات التي يفسدها الحر. وقد عهدنا أن هذه المحلة هي المحلة الوحيدة التي يسكنها أعيان المسيحيين ووجهاؤهم ثم لما أسست محلة العزيزية ومحلة الصليبة الصغرى أخذ أولئك الأعيان والوجهاء يتحولون منها إلى المحلتين المذكورتين أسرة بعد أسرة حتى لم يبق منهم الآن في هذه المحلة غير القليل وأصبح معظم سكانها الآن من الأغراب ومهاجري الأرمن وغيرهم. ومن الأسر القديمة المسيحية الحلبية الشهيرة الباقية في هذه المحلة أسرة بني سابا عائدة وأسرة بني جنيدر وأسرة بني الضاهر.
[آثارها]
لا يوجد في هذه المحلة أثر إسلامي البتة. فأما آثار المسيحيين فيها فكثيرة بعضها قديم بقدم المحلة وبعضها وهو الأقل حديث، بعد ذلك فلم يذكر في تاريخ قبل هذا وهو كنيسة الروم الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك. والآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ خمس