الأوراق التي هي الجرائد القديمة ومسودات الدعاوي التي يوكل بها لأنه كان محاميا.
علّق جمال باشا هذين الشابين لمجرد الأسباب التي ذكرناها. على أن الديوان العرفي برّأهما ولم يعدّ هذه الأسباب موجبة لقتلهما. فأصرّ عليه جمال بأن يحرر مضبطة بوجوب قتلهما وقال للديوان: يكفي موجبا لقتلهما فرارهما من العسكرية، مع أن الأول منهما كان عسكريا بالفعل وسافر إلى الباب بالإذن، والثاني كان خطيبا مستثنى من الخدمة العسكرية بحكم القانون.
أما الغرض السياسي الذي يقصده جمال باشا من قتل هذين الشابين- اللذين أدمى قتلهما القلوب- فهو تأييد زعمه بأن عامة البلاد العربية السورية كان أهلها أعداء الدولة العثمانية، وأن أهل مدينة حلب من جملتهم. وكان ولاة حلب ينكرون على جمال هذا الزعم ويقولون له: الحلبيون لا يوجد بينهم أعداء لحكومة الأتراك، وإنهم لم يظهر منهم قطّ شبهة تدل على ذلك. فاجتهد جمال باشا بأن يظفر من الحلبيين بشيء سياسي يؤيد دعواه ويكذّب ما كان يقوله الولاة فلم يتيسر له ما أراد، وبقي سرّه منغّصا لأن عدم ظفره بهكذا شيء يجعله كاذبا في دعواه بأنه فاتح سوريا؛ تلك الدعوى المفتراة التي آيدها في بيروت ودمشق وغيرهما من البلاد السورية الجنوبية بما أراقه فيها من دماء أهلها العاصين على الحكومة على زعمه، وبقيت دعواه في مروق أهل سوريا الشمالية غير مؤيّدة. ولما حدثت قضية هذين الشابين في حلب عدّ قتلهما فرصة لتأييد زعمه وتأكيد دعواه في الحلبيين أيضا وأنه ألمعيّ لا تخيب فراسته ولا تخطىء سهام ظنونه المرمى، وأن ولاة حلب- الذين كانوا يبرّئون أهلها من شائبة المروق على الدولة- لا تحقيق عندهم ولا تدقيق.
[تسلط جباة الأموال ورجال الدرك على أهل القرى:]
ومن المنفّرات العظيمة التي كان يتسبب بها أراذل جباة الأموال ورجال الدرك المعرفون بالجندرمة: سوء معاملة هؤلاء لأهل القرى وتسلطهم عليهم بالسب والضرب؛ بحجة أنهم يتقاضون منهم المتأخر في ذممهم من مرتّبات الدولة عليهم كالأعشار، ورسوم الأملاك المعروفة بالوركو، والإعانات التي تجبى من الناس بأسماء مختلفة كقولهم: إعانة الكساوي الشتوية للعساكر الشاهانية، وإعانة الأسطول، والإعانة الملّيّة وإعانة المهاجرين، وغير ذلك من الإعانات المختلفة الأسماء المتحدة المعنى؛ لأن جميعها كانت ترمي إلى غرض واحد