خان فإنه سار من مرج دابق إلى حلب وخرج أهلها لملاقاته عند الميدان الأخضر، ومعهم العلماء والصلحاء حاملين المصاحف على رؤوسهم يستقبلونه ويهنّونه بالفتح ويسألونه الرفق والصفح فقابلهم بالجميل.
[حوادث الدولة العثمانية في حلب:]
ودخل السلطان حلب في رجب سنة ٩٢٢ وتسلم قلعتها بالأمان وطلع إليها فرأى فيها ما أدهشه من الذهب والفضة وغيرهما. ثم جمع بأمره من تجار حلب مال كثير سموه «مال الأمان» وصاروا يبذلونه بطيب خاطرهم لخوفهم يومئذ على النفس. ولم يحصل بحلب- وجيشه مقيم عليها- من القحط أدنى شيء مع كثرة جيوشه. ورام منلا زيرك قاضي عسكره أن يعرض للسلطان في مدارس حلب لنزول العسكر، فلم يقبل منه السلطان عرضه بل أمرهم أن لا يبيت منهم بحلب ديّار. ثم برز أمره بالتفتيش على ودائع الجراكسة التي كانت عند بعض الناس فجمعوا منها ما لا يحصى واتهموا الأصيل صلاح الدين بن السفاح بشيء منها وعذبوه عليه. ولما كان يوم الجمعة نزل السلطان إلى الجامع الكبير وصلى فيه ودعا له الخطيب وسماه «حامي الحرمين» . ولما فرغ من صلاته أرسل إلى الخطيب يأمره بأن يبدل بعد هذا كلمة حامي «بخادم» ثم خلع عليه واستمرت عادة هذه الخلعة مع ولاة حلب إلى أواخر أيام العثمانيين في أول جمعة يصلونها بجامع حلب.
وكان إطلاق كلمة «خادم الحرمين الشريفين» على السلاطين العثمانيين لأول مرة في مدينة حلب. وقد سر السلطان سليم من هذه الكلمة وتفاءل بها خيرا. وقد بقي في حلب عشرين يوما وجعل عليها أحمد بن جعفر- المشهور بقراجا باشا- واليا، وكمال الدين ابن الحاج الياس الرومي الحنفي- المعروف بابن الجكمكجي- قاضيا. وأمر كريم جلبي عبد الله باشا زاده أن يحرر أملاك لوائها ليعين ضريبة الأملاك بموجبها. ثم رحل السلطان من حلب إلى دمشق في العشرين من شعبان فلما وصلها تلقّاه أهلها كما فعل الحلبيون، فأمّنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا. ثم حسّن له خاير بك أن يتوجه إلى مصر للاستيلاء عليها. فسار نحوها واستولى عليها في خبر يطول شرحه. ثم عاد إلى دمشق وأمر ببناء التكيّة الصالحية ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق وأقام به نحو شهرين ثم سار إلى تخته قسطنطينية.