الناس يقتصد بصرفه جدا بحيث كان ملء (اللّنبة) منه يسهر عليها عدة ليال إلى منتصف الليل. وهو معذور بذلك فإن ضوء هذا المصباح مهما كان ضعيفا فهو أسطع بكثير من ضوء السراج والقنديل والشمع وغيرهما من الظروف التي يكون الاستصباح بها بواسطة زيت الزيتون. ولا شك أنه أقل ضررا من هذه الظروف التي ينبعث منها العثان والسّخام فيضرا بالصحة ويسوّدا المنزل وأثاثه ويضعفا «١» البصر وقد ظهرت للناس فوائد الكاز بعد مدة قليلة فعم استعماله وبطل استعمال جميع ظروف الاستصباح وتركت في زوايا الاهمال حتى أصبحت نسيا منسيا.
وفي هذه السنة (١٢٨٠) حدث في حلب غلاء شديد وبرد قارس أدهش العقول.
وفي سنة ١٢٨١ ولي قضاء حلب قاض عرف عند الناس باسم (أبي دية) لأن يده مقطوعة من مفصل ذراعها. وكان ظالما منهمكا بالمعاصي متجاهرا بتناول الرشوة. وفي ٢٤ جمادى الأولى من هذه السنة أبرقت السماء وأرعدت ثم قذفت بردا كبارا واحدته في حجم البيضة أو أكبر، واستمر نحو ١٥ دقيقة فهلك به ألوف من الطير وانكسر للناس من زجاج نوافذ البيوت ما قيمته خمسمائة ألف قرش، وكان من غريب أمره أنه لم يتجاوز مدينة حلب.
[تشكيل لواء الزور:]
وفي ابتداء فصل الربيع من هذه السنة توجه الوالي ثريّى باشا ومعه شرذمة من العساكر لردع الأعراب المتمردين على الدولة في جهة الزور، فأخضعهم وأجرى عليهم قوانين الدولة وعيّن عليهم قائم مقام وشكّل مصرفيّة الزور بالدير الحمراء، ورجع إلى حلب. وفي أواخر هذه السنة كثر تعسف القاضي أبي دية وضجر منه الناس، ورفعوا بسوء حاله محضرا إلى الدولة، فعزلته وولت مكانه عثمان أفندي وكان غاية بالصلاح. وفي سنة ١٢٨٢ وفي المحرّم عاد الحاجّ من الحجاز، وأخبروا أنه مات هناك بالهواء الأصفر نحو مئة ألف نسمة.
وكان ابتداؤه في تلك البلاد يوم عيد الأضحى. ثم في هذه السنة وصل هذا المرض إلى حلب وكان معظم سطوته في ربيع الأول، وبلغت وفياته اليومية ثلاثمائة نسمة، وقد أصبت به ونجوت، وأصيبت والدتي فتوفيت. وكان الناس يدورون في الأزقّة ليلا ويستغيثون