على السعر الرائج. فلما تنازل سعر الورق إلى مقدار خمس قيمته صار هذا المسكين يأخذ راتبه من الحكومة ست ورقات، سعر الورقة في التجارة عشرون قرشا، فكان معاشه عن الشهر كله يبلغ مائة وعشرين قرشا رائجة، وهي قيمة رطلين من الدقيق فقط لا يكفيه مع الاقتصاد أكثر من يومين، فيضطر- لإكمال باقي ضرورياته- إلى أن يبيع أثاث منزله ثم ثيابه وثياب عياله حتى يضطر للتسؤّل. وربما كان لخدمته تسلط على الناس فيضطره الحال- رغما عن عفافه- أن يمد يده إلى أخذ الرشوة وأكل المال الحرام، فيبطل الحق ويحق الباطل.
ولما بلغت الحالة بالمستخدمين هذه الغاية رأت الحكومة وجوب تلافي حالتهم بقدر ما يمكنها، صونا لشرفها، فشرعت تأخذ من الزارعين عشرا ثانيا- سمّته المبايعة- بقيمة تبلغ الربع والثلث من قيمته الحقيقية، وتدفع للزراع هذه القيمة ورقا على سعره الأميري. وأما باقي المأكولات والصابون ومادة الوقود فإن الحكومة جعلت تشتريها من ذويها بقيمة تضعها من عند نفسها، وتدفع لهم تلك القيمة ورقا على سعره الأميري أيضا.
ثم جمعت هذه الأموال في مكان ووظفت لتوزيعها على المأمورين موظفين وكتابا، يعطون المستخدمين من هذه الأموال مقدار ما يخفف ضررهم بقيمة تزيد على قيمتها التي اشترتها الحكومة بها شيئا قليلا، وتأخذ منهم القيمة ورقا- من رواتبهم- على سعره الأميري.
وسمّت هذا العمل (إدارة الإعاشة) .
وبهذه الواسطة خفّ ضرر المستخدمين وصار يمكنهم أن يحصلوا مع الاقتصاد على ضروريات حياتهم. فكان المأمور يأخذ من هذه الإدارة في رأس كل شهر قدرا معلوما من الحنطة والبرغل والعدس والحمّص والملح والسكر والقهوة والحطب والفحم والصابون والزيت والبترول، فيبيع من هذه الأشياء ما يمكنه الاستغناء عنه بقيمته الحقيقية، ويصرف القيمة في باقي حوائجه.
[جالية أهل المدينة المنورة:]
وفي هذه السنة وهي سنة ١٣٣٥ قدمت علينا جالية أهل المدينة المنورة وهي في حالة يرثى لها، قد تركت أموالها وأمتعتها في المدينة المنورة. وجاءت هذه البلاد في وقت غلت فيها أسعار الأقوات وارتفعت أجور المنازل. وكان بين هذه الجالية أسر كريمة فيهم السادات