وإليك نبذة مفيدة في الكلام على الأوقاف نجعلها ختام هذا الباب فنقول: أقدم من ينسب إليه الوقف سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ويقال إنه كان في أول أمره يبذل قراه للضيوف وصدقاته للفقراء ثم أحب أن يتناول بره من يأتي بعده فأوحي إليه بإجراء عمل الوقف فأنشأ كثيرا من الآثار الخيرية في بلاد العرب لم تزل تعرف بأوقاف خليل الرحمن حتى الآن منها وهو أعظمها وأشرفها بيت الله المعظم الذي هو قبلة جميع الموحدين ومن آثاره في مدينة حلب المقام الأسفل في قلعتها ومقام الخليل الذي تكلمنا عليه في محلة باب المقام والبئر التي اختار الهروي أن تكون عمارته في جوارها ثم أن عظماء الأمم السالفة اقتدت بالخليل فأنشأت الكثير من الآثار الخيرية التي ينتفع منها على الدوام والاستمرار ثم جاء الإسلام فتلقى هذه الطريقة بالقبول ورغب فيها الرسول عليه الصلاة والسلام مؤيدا ترغيبه بالعمل فوقف الحوائط السبعة ووقف سيدنا عمر ابن الخطاب أرضا في خيبر كان يعدها من أنفس ماله واقتدى بهما الآل الكرام والصحابة الأعلام فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار له مال إلا ووقفه. وحذا حذوهم الخلفاء الأمويون والعباسيون وجميع ملوك المسلمين ووزرائهم واقتفى أثرهم في ذلك السلاطين العثمانيون فأربوا على الأولين والآخرين بكثرة أوقافهم في مدينة إستنابول وغيرها أما أول وقف كان في مدينة حلب بعد الفتح الإسلامي فهو المسجد العمري الذي عرف بعد بالمسجد الغضائري كما نوهنا بذكره في الكلام على محلة العقبة ثم الجامع الكبير الأموي الذي أفضنا بذكره في الكلام على محلة سويقة حاتم ثم تتابعت الأوقاف في مدينة حلب حتى أصبحت من أكثر البلاد العثمانية أوقافا بحيث صارت تدعى حلب الوقف وهذا ما يدل على علو شأنها وعظيم اعتبارها في القرون الماضية التي هي بعد القرن الرابع ومن أعظم أسباب كثرة أوقافها استعداد مبانيها للبقاء مدة طويلة وتوفر الفتوحات في جهاتها الشمالية وخراب قنسرين فعظمت تجارتها ومعارفها وكثرت