الذي ترجمه؛ كان عليه ألّا يتسرع بترجمته قبل أن يطلع عليه بعض علماء المسلمين ويستشيره بترجمته، فإن رضي أن يترجمه فليفعل وإلّا لا.
على كل حال ينبغي أن يكون مترجم هذا الكتاب شابا طائشا مغفلا، أو رجلا سيىء الاعتقاد. وعلى كل فإن الذنب كل الذنب على الحكومة التي رخصت له بطبع هذا الكتاب ونشره غافلة عما يجنيه من نفرة قلوب المسلمين وانحرافهم عن الدولة العثمانية.
[التسرع بإراقة الدماء:]
ومن المنفّرات الفاضحة- التي كانت من أعظم مدمرات معاهد الصدق والولاء التي شادتها الدولة العثمانية مدة أربعة قرون في قلوب الأمة العربية- تسرّع جمال باشا ورفقاه من زعماء الاتحاديين في إراقة الدماء، واستخفافهم بأرواح عدد عظيم من الأبرياء الذين هم من زهرة شبان سوريا وبيروت وحلب.
إن أهل هذه البلاد قد نسوا مناظر المقتولين والمصلوبين؛ لأنهم مضى عليهم زهاء ستين سنة ولم يروا إنسانا معلّقا على جذع، فما راعهم في هذه الأيام إلا مناظر المعلّقين كل يوم على جذع لأقلّ سبب. فاشتد عليهم هذا الحال ونفرت قلوبهم من هذه الدولة نفرة لا رجوع بعدها. كان لا يمضي علينا أيام قلائل إلا ونسمع فرقعة البنادق التي كانت ترشق رصاصها على الفارّين من العساكر فنأسف عليهم؛ غير أننا لا نلبث أن يزول أسفنا ونرى أنهم عوقبوا بما يستحقونه ثم وردت علينا صحف بيروت تخبر بتعليق جماعة من الشبيبة العربية فيها، اتّهموا بالمروق على الدولة والسعي بأن يستظلوا براية غيرها. فاستعظمنا هذا الخبر أولا ثم قلنا: لعل الذي اتّهموا به أمر واقع.
ثم لم يمض سوى قليل من الأيام حتى سمعنا بإلقاء القبض على جماعة كانوا نسبوا إلى جمعية عربية عقدت في مدينة باريس- بعد حرب طرابلس الغرب- تضم إليها زهرة من أبناء العرب مسلمين ومسيحيين، أكثرهم من جالية البلاد العثمانية اللاجئين إلى مصر وباريس، ولو ندره وأميركا. وكان الرئيس على هذه الجمعية عبد الحميد الزهراوي. وقد طبعت كتابا أثبتت فيه نبأ كل ما أجرته، ونسخة كل ما قالته في جلساتها، مع بيان أسماء من حضر إليها أو كاتبها على بعد، ممن رغب الانضمام إليها. وسطرت غير ذلك من الفصول