وفي سنة ٥٦٧ أمر نور الدين باتخاذ الحمام الهوادي «١» التي تحمل البطائق وتطير بها إلى أوكارها. وكان سبب ذلك اتساع بلاده التي تستوعب ما بين النوبة إلى حد همذان ولا يتخللها سوى بلاد الفرنج، فربما نازلوا بعض الثغور ولا يصل خبرهم إلى نور الدين إلا وقد بلغوا الغرض. فحينئذ أمر بتعليم الحمام ورتّب لها ولمعلميها أرزاقا وافية، فوجد بها راحة كبيرة فإن الأخبار صارت تصل إليه بوقتها لأنه كان في كل ثغر رجال مرتبون ومعهم من حمام المدينة التي تجاورهم، فإذا رأوا أو سمعوا أمرا كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسرّحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعته فتنقل الرقعة منه إلى آخر، من البلد الذي يجاورهم في الجهة التي فيها نور الدين، وهكذا إلى أن تصل الأخبار. فانحفظت الثغور بذلك حتى إن طائفة من الفرنج نازلوا ثغرا لنور الدين فأتاه الخبر ليومه، فكتب إلى العساكر المجاورة لذلك الثغر فكبسوا العدو وظفروا به والفرنج آمنون لذلك، لبعد نور الدين عنهم. وهذه الطيور وصفها بعضهم بقوله:«الطيور ملائكة الملوك» يشير إلى أنها تنزل على الملوك من جو الهواء نزول الملائكة من السماء مع فرط ما فيها من الأمانة.
قلت: ولا أدري متى بطل استخدام الحمام من بلادنا، غير أن جاك سواري دي بورسلون ذكر في الصحيفة ١٠١٨ هـ من الجزء الأول من كتابه القاموس التجاري العام- في أثناء الكلام على تجارة حلب- أن من جملة ما امتاز به تجار حلب استخدامهم الحمام بنقل الأخبار إليهم من إسكندرونة. قال: وهي حمام يعانون تربيتها وتعليمها في بيوت مخصوصة من حلب وينقلونها إلى إسكندرونة بالأقفاص، فإذا حدث لديهم في إسكندرونة خبر مهمّ كتبوه في بطاقة وعلقوها في رقاب الحمام وسرّحوها نحو حلب، فتأتيها طلبا لفراخها في برهة ثلاث ساعات. اه. (وكان طبع قاموسه المذكور سنة ١٧٢٣ م، وهي سنة ١١٣٦ هجرية) .
وفي سنة ٥٦٨ فتح نور الدين مرعش وأخذ بهسنا. وفي سنة ٥٦٩ توفي الملك العادل