[تصريح في البواعث التي حملت تركيا على الاتفاق مع دولة ألمانيا:]
معلوم أن دولة تركيا أتى عليها زمن ورايتها تخفق فوق ممالك يربو عدد أهلها على مائة وعشرين مليونا. وكانت دول أوربا في ذلك الوقت يحسبن لها حسابا عظيما ويتسابقين مع بعضهن بالتزلف إليها. ثم لما تقلبت الدهور والأعصار عليها وأخذت ترجع القهقرى- سنّة الله في الأيام التي يداولها بين الناس- بقيت دولة بريطانيا على مجاملتها لتركيا، رعاية لخواطر رعاياها المسلمين المرتبطين بالخلافة العثمانية برابطة الدين وتوهينا لأعدائها عن تقربهم إلى مستعمرة الهند، كمحاماتها عنها في واقعة أبي قير، تلك الواقعة المدهشة، وكمحاماتها هي ودولة فرنسا في حادثة القرم التي كسرت فيها جيوش دولة روسيا أيما كسرة، توهينا لقوة هذه الدولة وإيقافا لها عند ذلك الحد.
ثم إن إنكلترا أمنت غائلة الروس باتفاقها مع دولة اليابان على دفع الروس عن الشرق الأقصى، وكانت دولة تركيا قد وصلت إلى دورها الأخير من التقهقر والانحطاط وأصبحت عرضة لاستيلاء الفاتحين، وقد ذهب قسم عظيم من بلادها في الحرب الأخيرة مع روسيا ولم يبق ريبة في عجز تركيا عن مقاومة أعدائها، فاستغنت دولة إنكلترا عن مجاملتها لتركيا ورأت أنها أولى من غيرها بالأكل من هذه المائدة المبسوطة لكل وارد وصادر، وأجدر من سواها بالاستيلاء على تلك البلاد، وأن المسألة الشرقية قد آن أوان مباشرتها، فاحتلّت- في حادثة اعرابي باشا- مصر. ومن ذلك الوقت بدأت تركيا تشعر بانحراف هذه الدولة عن مجاملتها، وكانت عيونها وقناصلها في الممالك الأجنبية تعلمها من وقت إلى آخر بأمور تدل على سوء مقاصد أوربا مع تركيا وعدولها عن مجاملتها واتفاقها على معاكستها، فتعكّر صافي اعتقادها بإخلاص أوربا، ثم ازدادت نفورا من دولها حينما تحققت أنهن يعاكسنها في جزيرة كريد ويساعدن مقاصد اليونان. وبعد مدة تأكدت بأنهن انقلبن ضدها انقلابا بينا وانضم إليهن عدوها الأكبر دولة روسيا وغيرها من باقي أعدائها مبرهنة هذا الانقلاب باتفاق الدول على حرمانها مما جنته سيوف جنودها من بلاد حكومة اليونان في حربها الأخيرة معها.