سنقر الأقرع من مماليك المظفر غازي صاحب ميّافارقين من جهة المعزّ أيبك صاحب مصر إلى بغداد بتقدمة جليلة، وسعى بتعطيل خلعة الناصر. فتحيّر الخليفة برهة أيام، ثم أحضر سكينا من اليشم «١» كبيرة، وقال للوزير: أعط هذه السكين رسول صاحب الشام علامة على أن له خلعة عندي في غير هذا الوقت، أما الآن فلا يمكنني. فعاد كمال الدين بالسكّين بلا خلعة.
وفي سنة ٦٥٥ وصل من الخليفة المستعصم الخلعة والطوق والتقليد إلى الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة ٦٥٦ اشتد الوباء بالشام وخصوصا بدمشق حتى قلّ مغسّلو الموتى.
[وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم]
في سنة ٦٥٧ تقدم هولاكو بن تولي بن جنكز خان إلى البلاد الشرقية ونازل الجزيرة وحرّان واستولى عليهما. ثم أرسل إلى الملك الناصر رسالة مسهبة يتهدده بها، أثبتها ابن العبرى في كتابه «مختصر الدول» وأجابه عليها الملك الناصر بجواب يظهر فيه القوة وعدم المبالاة، قرأته في رقعة مخطوطة عند صديقنا السيد محمد أسعد أفندي العينتابي. ولما اطلع عليه هولاكو أخذ منه الغيظ كل مأخذ وأمر ولده «أشموط» بالإغارة على الشام، فقطع الفرات في جمع كثيف ونزل على نهر الجوز وتل باشر ووصل خبره إلى حلب من البيرة، ونائب الملك الناصر في حلب الملك المعظم فخر الدين توران شاه، فجفل الناس من التتر إلى جهة دمشق، وعظم الخطب واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر في داخل البلد وكانت حلب في غاية الحصانة والقوة.
فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة قصد التتر حلب ونزلوا على قرية يقال لها المسلميّة وامتدوا إلى حيلان، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكر حلب ومعهم جماعة من العوامّ والسوقة فأشرفوا على التتر وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم إرهابا للمسلمين. ولما تحقق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة وتقدم الملك الأعظم بأن لا يخرج أحد بعد ذلك من المدينة. وفي الغد رحل التتر من منزلتهم