النفوس، وهو متبعثر في الربع المسكون ما بين محكوم بدولة إسلامية ضعيفة مضروب عليها نطاق السيطرة من قبل دولة أجنبية، وما بين قاطن بمستعمرات تحكمها دول أجنبية كالهند وتركستان وتونس والجزائر، فإنّ الحكومات المستولية عليها في تلك الأصقاع تتصرف بمقدراتها كما تشاء.
ولما رأت دولة ألمانيا أن العالم الإسلامي المتبعثر على هذه الصفة لو تألفت أجزاؤه وربطت ببعضها برابطة الدين لجاء منه قوة تهدد الأرض ببأسها، فرغبت «١» أن تكون هذه القوة بجانبها ورأت أن لا سبيل إلى استمالة هذه القوة إلى جانبها إلا بالاتفاق مع الدولة العثمانية مقرّ الخلافة التي يتعلق بعرشها عامة المسلمين. فبذلت الدولة المشار إليها جهدها منذ أعوام طوال بموالاة الدولة العثمانية والمحاماة عنها إلى أن اطمأنت تركيا منها، فمدت إليها ألمانيا يد الاتفاق، وعقدته معها على أن تكون الدولتان يدا واحدة في إنقاذ العالم الإسلامي وإرجاع مجده إلى ما كان عليه. حتى إن جمال باشا صرح في مذكراته عدة مرات أن أول غرض لتركيا من هذه الحرب هو خدمة العالم الإسلامي. لا ريب أن دولة ألمانيا لو كانت هذه الحرب منجلية عن فوزها وظفرها لكانت جذبت إليها بهذا الاتفاق قلوب عامة المسلمين واستمالتهم نحوها بحكم قاعدة:(من والى صديقك فقد والاك) فكانت تستفيد هي وأوستريا من استمالة العالم الإسلامي إليهما ثلاث فوائد:
[الفائدة الأولى:]
إشغال قوات عظيمة لأعدائها حين قيامهم عليها تتركها أعداؤها في مقابلة من جاورهم من الحكومات الإسلامية وإماراته المستقلة، حينما يحدث بين ألمانيا وأوستريا وأعدائهما حرب في أوربا.
[الفائدة الثانية:]
التي تستفيدها الدولة الألمانية من استمالة العالم الإسلامي إليها: هي جعل الدولة الإسلامية وإماراتها- في عامة الرّبع المسكون- جزءا من دول الاتفاق المربع لتقاتل معها كجيش من جيوشها حينما تسنح لها الفرصة بشن الغارة على إحدى مستعمرات دول