يحتاجون إليه من البضائع، إذ كثيرا ما كان يوجد في حلب مثلا بضاعة تزيد عن حاجة أهلها فيسرفون في إتلافها لأنها تباع عندهم بأبخس ثمن، وتكون في عينتاب مفقودة أو قليلة جدا والحاجة إليها شديدة ولا يمكن للفقير هناك أن ينالها لأنها تباع بأغلى الأثمان.
ومن جهة أخرى كانت هذه القاعدة مدعاة لخيانة كثيرين من وجهاء المستخدمين من ملكيين وعسكريين، ومعينة لهم على الاستئثار بأرباح البضائع الوطنية الممنوع شحنها وحرمان التجار الأهليين منها، وذلك بأن يتفق سرا ضابط مع ملتزم سمن مثلا، يقدّمه من حلب إلى استانبول على شرط أن يساعده الضابط بالشحن ويشاطره بالربح، فيرسل الملتزم أضعاف ما هو مفروض عليه إرساله من السمن، ويكون له في استانبول وكيل يتسلم السمن من إدارة السكة ويقدّم منه القدر المفروض إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة، ويبيع الباقي منه إلى التجار بأسعار باهظة فيربح منه أرباحا طائلة يقتسمها مع الضابط الذي اتفق معه سرا.
هذه المسألة من جملة المسائل التي أغاظت أهل هذه البلاد ونفرت قلوبهم من الحكومة؛ لأن غيرهم كان يستأثر بأرباح بضائع بلادهم وهم محرومون منها.
ومن هذا القبيل ما كان يجريه زعماء الاتحاديين في البضائع التي يحضرونها من أوربا أو المملكة العثمانية باسم إدارة الإعاشة، أو باسم فقراء الأهالي ليبيعوها لهم برأس مالها تخفيفا لآلامهم، فكانوا بعد أن تصل إليهم يضعون أيديهم عليها ويبيعونها إلى التجّار بأغلى الأثمان.
[خلاصة في بيان ماجريات الحرب العالمية:]
ذكرنا في هذا الجزء تحت عنوان «أول تحرش بألمانيا» أن ألمانيا أمرت أسطولها الطيار بأن يجتاز حدود بلجيكا إلى الأراضي الفرنسية بمقابلة اجتياز طيارات فرنسة منها إلى حدود الألمان. ونقول هنا: إن جيوش الألمان زحفت بعد ذلك على حدود روسية واستولت منها على بولونيا وأسرت من جيوشها مئات الألوف، وذلك كله في مدة لا تزيد على ثمانية أشهر.