يضع منه سوى النزر اليسير الذي ربما كان هو المتساهل بحفظه ليكون فداء عن باقي دولته وليتمكن من التنكيل بأعدائه وإبادتهم.
إن بقاءه سلطانا وسلامة ملكه من أيدي الأغيار تلك المدة- مع فقر خزائن الدولة وخلّو مدخراتها من السلاح وبحارها من الأساطيل- لما يدهش له الإنسان ويأخذه منه العجب كل مأخذ. غير أنه إذا أمعن النظر بالأسلوب الذي كان يسير عليه في سياسة الأمة وإدارة الملك لا يلبث أن يزول عنه العجب ويقنع بأن ذلك الأسلوب حقيق أن ينتج عنه تلك النتيجة.
كيف كانت سيرته في رعيّته:
كانت الطبقة الدنيا والوسطى من الرعية على اختلاف عناصرها تخافه وتحبه:
تخافه لقوة بطشه وعظيم دهائه وتمكنه من الاطلاع على أحوال رعاياه، فإنه كان لا تخفى عليه خافية من أحوالهم وكل ذي شخصية بارزة في ممالكه معروف عنده واقف تمام الوقوف على ما هو عليه من المحاسن والمساوئ.
وتحبه رعاياه لأنه كان لا يحب أن يبهظهم بالضرائب، فكان الرخاء في أيامه شاملا والرعية راتعة في بحبوحة التنعم والرفاهية، وكان عظيم العناية بكل ما يرضي رعاياه لا سيما البسطاء منهم، غير متوان عن الإتيان بكل ما ينطبق على رغائبهم، خصوصا بما كان له علاقة بالدين كخدمة شعائره وإعمار المعابد، فقد عمر في أيامه ما يعسر على القلم إحصاؤه من المساجد والجوامع والمدارس الدينية والزوايا والتكايا وأضرحة الأولياء والصالحين. وكان من أجل آثاره وأكبر حسناته- وأقواها اجتذابا لقلوب المسلمين عامة وقلوب رعيته خاصة- سكة الحديد الحجازية فإنه هو وحده الساعي بإنشائها وبسعيه المشكور تم أمرها. وكان لا يقصر بإنقاذ المستغيثين به من مخالب الظلم ما لم يكن الظالم من مردته وأتباعه.
عدم سماحه عمن يمسّ شخصه وسلطانه، وكيف كان يعاقب المسيء إليه بالنفي وغيره من العقوبات:
وهو لا يؤاخذ أحدا على إطلاق لسانه بالظلمة والمستبدين من مستخدمي الحكومة