فلما اطّلعت الدولة على هاتين الرسالتين رأت أن الأمر قد أخذ بالتفاقم، وحينئذ اتفق رأي أولياء الأمور على تلافي القضية وصرف جميل باشا عن حلب، وأنفذت إلى شاكر باشا- أحد الفرقاء في دمشق- أن يسافر إلى حلب في أسرع مدة ويتسلم بها زمام العسكرية ويعرّف استانبول. فركب شاكر باشا في الحال وذلك في صباح اليوم الثامن من ربيع الأول وتوجه إلى جهة حلب، فوصلها بغتة عشية يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول، ونزل في رباط الشيخ يبرق رأسا وتسلّم زمام العسكرية وعرّف بذلك استانبول.
وكان الخبر بلغ جميل باشا فأمر العسكر الذين كانوا يحافظون المحابيس بالصعود إلى الرباط.
ثم في صبيحة يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول ورد التلغراف من استانبول بأن يكون جميل باشا واليا على ولاية الحجاز، وعثمان باشا والي الحجاز يكون واليا على حلب، ويكون شاكر باشا وكيلا عنه إلى أن يحضر الوالي. في الحال حضر وكيل الوالي المشار إليه وصاحب بك، وخلّيا سبيل المحبوسين، وبعد يومين ورد الأمر إلى جميل باشا بتعجيل الانصراف عن حلب، فبارحها يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الأول متوجها إلى مكة المكرمة.
ثم في يوم الخميس تاسع عشر ربيع الثاني وصل إلى حلب عثمان باشا واليا عليها. وفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى أزمع صاحب بك الرحيل من حلب إلى استانبول، فأسف الناس على فراقه ودعوا بسلامته.
[تأسيس محلة الجميلية:]
وفي هذا الشهر ورد الإذن بإحداث محلة في أرض الحلبة، مما يلي طريق عربية إسكندرونة، وأن تسمى بمحلة السليميّة، نسبة إلى نجل السلطان عبد الحميد خان الثاني.
فأخذ الناس بشراء الأراضي هناك وتأسيس الدور. وكان قد أقيم بها قصران عظيمان في السنة الماضية، أحدهما لجميل باشا وثانيهما للمرحوم علي محسن باشا، القائد العام فوق العادة على حلب وأطنه وضواحيها. وهو أول قصر عمر في هذه المحلة. وفي هذا الشهر- أعني شهر جمادى الأولى- كان الشروع بتسليط ماء رأس العين إلى قصبة إسكندرونة، وهي على مقربة من إسكندرونة وتعرف باسم (بيكار باشي) فأجريت إلى الإسكندرونة بكيزان من الحديد وبنيت لها الحياض والقساطل، وكانت النفقة عليها من سكان إسكندرونة.