لما عزم الموظفون الأتراك على الرحيل من حلب أراد كل موظف منهم أن يأخذ معه الأوراق والسجلات التي كانت في محل إدارته، فأوعبها في الجوالق «١» وطلب من يحملها إلى محطة بغداد، فلم يتيسر له أحد وكان الخوف قد سطا عليه فتركها ومضى إلى حال سبيله. ولو أخذت هذه السجلات لتضرر كثير من أصحاب المصالح خصوصا سجلات الدفتر الخاقاني. على أن كثيرا من سجلات غير هذه الدائرة فقدت بسبب دخول الأوباش إلى دار الحكومة في يوم الجمعة قبل دخول الشريف مطر إليها بقليل من الزمن، فظفروا بدفاتر جباة الأموال وأتلفوها عن آخرها. وكانوا يأخذون جلودها ويطرحون ما فيها من الورق في الأرض ويبعثرونه بأرجلهم.
هذا ولما وصل الشريف مطر وعربه إلى حلب ليلة السبت الحادية والعشرين من محرّم الجاري نزل في دار الحكومة، فجلس على بساط فتح له على أرض البهو الذي يؤدي إليه الدرج الكبير ونزل عربه في صحن دار الحكومة، وحفروا في الأرض نقرا أشعلوا فيها النار لطبخ قهوة البن يسقون منها الواردين على الشريف للسلام وعرض الاحترام. وقد تحقق الناس استيلاء الحكومة الجديدة على حلب إلا أن الخوف مع ذلك استولى على الناس من فتك الأسافل وبقايا الجنود التركية، وخلت الأزقة من المارّة وبات الناس في قلق وخوف لا مزيد عليه، نظير ما باتوا عليه في الليلة البارحة أو أشدّ، وكان ألوف من الأوباش يطلقون عياراتهم النارية من منازلهم تخويفا لمن يتوهمون أنه يهجم عليهم مع أن الخوف في تلك الليلة قد شمل الجميع.
ولما علمت بقايا الجنود التركية أن عرب الشريف قد دخلوا حلب ونزلوا في دار الحكومة مشى منهم نحو خمسين جنديا على دار الحكومة للإيقاع بالعرب ولما وصلوا إلى دار الحكومة هجم عليهم العرب فولوا منهزمين، ولو ثبتوا قليلا لأفنوا العرب عن آخرهم إلا أنهم خافوا أن يأتيهم من ورائهم كمين من أهل البلد فيقعوا بين نارين فعادوا من حيث أتوا.