[أدلة تحول العوارض الجوية في أصقاع حلب من الحر إلى البرد]
الدليل الأول: وجود شجر النخيل في حلب في قديم الأزمان فإن الشاعر الصنوبري المتوفى سنة ٣٣٤ نظم قصيدة بديعة طويلة مدح بها حلب وذكر منتزهاتها وأزهارها، ثم قال:
أيّ حسن ما حوته ... حلب أو ما حواها
سروها الداني كما تدنو ... فتاة من فتاها
آسها الثاني قدود ... الهيف لمّا أن ثناها
نخلها زيتونها أولا ... فأرطاها غضاها «١»
فالمفهوم من البيت الأخير أن شجر النخيل من جملة أنواع الشجر التي كانت في مدينة حلب وهو كما قلنا سابقا أقل تحملا للبرد من شجر الأترجّ، على أنه الآن لا أثر له في حلب البتة ولا يمكن أن يعيش في أرضها ولا فيما قرب منها.
الدليل الثاني: استقصينا كثيرا من الدور العظام القديمة في حلب فوجدنا أكثرها قد خلت جهتها المتجهة إلى الجنوب من الغرف والخلوات، وأن أكثر هذه الدور كان يعتني أهلها الأقدمون بجهتها المتجهة إلى الشمال، لأنهم يبنون فيها الأواوين والغرف سفلا وعلوا، فعدم اعتنائهم في الجهة المتجهة إلى الجنوب لم يكن له من سبب في تلك الأزمنة سوى شدة حرارتها بسبب إشراق الشمس عليها. واعتناؤهم بالجهة المتجهة إلى الشمال لم يكن ناشئا إذ ذاك إلا عن اعتدال حالتي الحر والبرد في فصل الشتاء، أما في هذه الأيام، وفيما أدركناه من الأعوام قبلها، فإن الجهة المتجهة إلى الجنوب من الدور في حلب هي التي تبذل العناية في بنائها خلوات وغرفا سفلا وعلوا وهي تعتبر عندنا من أشرف جميع المساكن التي تكون في باقي جهات الدار. وإن الدار التي تخلو جهتها هذه من البيوت والغرف تعد عندنا مشوهة. والمثل المشهور عند الحلبيين الآن قولهم: بيت يسكن صيفا وشتاء، وهو المتجه إلى الجنوب والغرب، وبيت لا يسكن لا صيفا ولا شتاء، وهو المتجه إلى الشرق.