قال ياقوت في معجمه: وسمي الجند جندا لأنه جمع كورة، والتجنيد التجميع، وقيل: سميت كل ناحية جندا لأنهم كانوا يقبضون فيه أعطياتهم، وكانت الجزيرة مع قنسرين جندا فأفردها عبد الملك وصارت الجزيرة جندا برأسه، وكان من جملة جند قنّسرين أنطاكية ومنبج وتوابعهما فلما استخلف الرشيد أفرد قنسرين بكورها فصيّرها جندا، وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين، وما بين ذلك من الحصون، فسمّاها العواصم لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها من العدو إذا انصرفوا من غزوهم. وجعل مدينة العواصم منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في سنة ١٧٣ فبنى فيها أبنية مشهورة، وذكرها المتنبي في مدح سيف الدولة فقال:
لقد أوحشت أرض الشام طرّا «١» ... سلبت ربوعها ثوب البهاء
تنفّس، والعواصم منك عشر ... فيوجد «٢» طيب ذلك في الهواء
قال ياقوت في موضع آخر: العاصم هو المانع، ومنه قوله تعالى لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
وهو صفة، فلذلك دخله الألف واللام. والعواصم: حصون موانع، وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية، كان قد بناها قوم واعتصموا بها من الأعداء، وأكثرها في الجبال. وربما دخل في هذا ثغور المصيّصة وطرسوس وتلك النواحي. وزعم بعضهم أن حلب ليست منها، بدليل قولهم: قنّسرين والعواصم، وحلب من أعمال قنّسرين، والشيء لا يعطف على نفسه.
عمّال قنّسرين وحمص من سنة ٤٥ إلى سنة ٥٩:
وفي سنة ٤٥ توفي عبد الرحمن بن خالد عامل حمص وما والاها، وكان أهل الشام قد مالوا إليه فدس إليه معاوية سما فمات.
قلت: ومن هذه السنة إلى حدود سنة ٨٦ لم أطلع على أسماء عمّال الخلفاء على قنّسرين وحمص، ولعل العمال عليهما في هذه المدة هم أمراء الصوائف والمشاتي، يخرجون إلى الروم ويرجعون إلى إحدى البلدتين بعد انقضاء غزوهم، فإن البلدتين من أعظم ثغور