إليها في أقلّ من سحابة يوم وبقيا فيها أياما قليلة وحصل لهما فيها من الحفاوة والإكرام ما حصل لهما في حلب.
ثم نهضا من دمشق قاصدين القاهرة، وبينما هما يطيران في سماء ضواحي الأردن إذ عرض لطيارتهما عارض أبطل حركتها فخرّت بهما من الجو إلى الحضيض ودفعتهما عنها في أثناء هبوطها، فسقطا إلى الأرض سقوط الصاعقة وقد اندقّت أشلاء كل واحد منهما واختلطت ببعضها فصارت كأنها فدرة «١» لحم مدقوق. ولولا ما كان يحمله كل واحد منهما من الوثائق لما قدر أحد أن يميزه عن رفيقه. فحملت أشلاؤهما على عجلة إلى دمشق ودفنا في قبرين متجاورين في تربة المرحوم السلطان صلاح الدين، وكان أسف الناس عليهما شديدا.
كان الغرض من إرسال هذه الطيارة وباقي الطيارات التي أرسلت بعدها إلى هذه البلاد إعلام الشعوب العثمانية بأن الدولة مهتمة بترقية الفنون العسكرية كإحدى الدول المعظمة وأنها انتبهت من رقادها ونفضت عنها غبار التواني والتكاسل اللذين كانت عليهما.
[الحرب العامة]
الحرب العامة وما أدراك ما الحرب العامة؟ حرب كلح لها وجه الأرض وزلزلت جبالها وقلقت بحارها وكادت تميد لها الدنيا بأهلها. شبّت نيرانها في عاشر رمضان من هذه السنة الموافق ٢١ تموز سنة ١٩١٤ م وخمدت تلك النار الحاطمة في محرم سنة ١٣٣٧ هـ وتشرين الثاني سنة ١٩١٨ م، فكانت مدتها أربعة أعوام وخمسة شهر تقريبا، نخرت في هذه المدة كبد العالم، أماتت أمما وأحيت أخرى. أقامت الأمم على بعضها، يسفكون دماءهم ويخربون بيوتهم وينهبون أموالهم ويعيثون فسادا في أعراضهم كأن رحم الإنسانية قد تقطعت بينهم، يستعملون في إبادة أنفسهم كل ما تصل إليه أيديهم من آلات التدمير ومعدات الهلاك والبوار حتى ظهر مصداق قول الملائكة الأبرار:«أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك «٢» » .