كانت الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد فمنعهم صاحب الباب فغلبوه ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة والمنبر وبطلت الجمعة أيضا. فأرسل الخليفة إلى السلطان إشارة يأمره بالاهتمام بهذا الفتق ورتقه. فتقدم السلطان إلى من معه بالمسير إلى بلادهم والتجهز للجهاد، وسيّر ولده مسعودا مع الأمير مودود صاحب الموصل. وانقضت السنة.
وفي سنة ٥٠٥ سارت العساكر التي جهزها السلطان لقتال الصليبيين بالشام. فساروا إلى سنجار وفتحوا عدة حصون وحصروا مدينة الرها. ثم رحلوا عنها ليطمع الفرنج ويعبروا إلى الفرات فيتمكن المسلمون منهم، فكان هذا خطأ من المسلمين لأن الفرنج لما عبروا الفرات جاؤوا بالميرة والقوت إلى أهل الرها فتقوّوا بعد أن ضعفوا وكاد المسلمون يأخذونهم. ثم إن الفرنج رجعوا إلى الشام وطرقوا أعمال حلب ونهبوا وأفسدوا وأسروا.
وسبب ذلك أن رضوان صاحب حلب لما عبر الفرنج إلى الجزيرة قام إلى ما أخذه الفرنج من أعمال حلب فاستعاد بعضه ونهب منهم وقتل، فلما عادوا قابلوه بعمله.
وأما العساكر السلطانية فإنهم لما سمعوا برجوع الفرنج إلى الشام رحلوا إلى الرها وحصروها فرأوها أمرا محكما قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تركت عندهم، فلم يجد المسلمون فيها مطمعا، فرحلوا عنها وعبروا الفرات فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يوما لم يقدروا عليها، فوصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان أبواب البلد في وجوههم ولم يجتمع بهم، فرحلوا إلى المعرة. ثم خبثت نياتهم وتفرقوا ولم يحصل بهم الغرض.
[سنة ٥٠٧: وفاة رضوان وما جرى بعده]
في هذه السنة مات الملك رضوان بن تتش السلجوقي صاحب حلب، وقام بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس وعمره ست عشرة سنة. وكان رضوان غير محمود السيرة قتل أخويه أبا طالب وبهرام، ولما ملك الأخرس استولى على الأمور لؤلؤ الخادم ولم يكن للأخرس معه إلا اسم السلطنة، ومعناه للؤلؤ. وسمي أخرس لحبسة «١» في لسانه. وقتل الأخرس