هذه الدولة سوى اتفاقها مع دولة عظيمة كألمانيا التي لم تمد من قبل إلى بلادها يدا ولن تقدر أن تمد إليها يدا لموقعها الجغرافي، مؤملة بذلك أن تحفظ كيانها بل طامعة بما سولته لها ألمانيا وبما علمته من قوتها وعظمتها بأن تعيد لها مجدها السالف لتحققها أنها وحلفاءها هم الغالبون، وأن كل من نواهم سيكون مغلوبا.
هذا ما دعا تركيا إلى الاتفاق مع ألمانيا وحلفائها: إيطاليا والنمسا والبلغار. وهذا هو اجتهاد الاتحاديين، أخصّهم بالذكر بطلهم وصنديدهم أنور باشا الذي نشأ في مدارس ألمانيا وتغذى بألبانها، وقد أداه سعيه إلى أن يكون الرجل الواحد في دولة تركيا لا يعارضه فيما أراد معارض ولا ينازعه منازع.
[دولة إيطاليا حيال الدول المتحاربة:]
كانت دولة إيطاليا متفقة منذ عهد قديم قبل الحرب مع دولة ألمانيا، فلما بدأت الحرب بقيت إيطاليا على الحياد مدة سنة أو أكثر، وكانت الأخبار تصل إلينا عنها ملونة، فمرّة يبلغنا عنها أنها لا بد وأن تبقى على اتفاقها مع ألمانيا، فهي عما قريب تعلن معها الحرب على دول الاتفاق، وأخرى يبلغنا عنها أنها ستنضم إلى المتحالفين وتعلن الحرب معهم على الاتفاقيين. والناس يبنون على دخولها مع أحد الفريقين رجحان كفة الميزان مع الفريق الذي تدخل معه. ثم في آخر الأمر انضمت إلى الاتفاقيين وأشعلت نار الحرب مع النمسا فلم تفز بطائل.
[منذرات هذه الحرب في حلب قبل ظهورها:]
قبل إعلان هذه الحرب بأعوام طويلة كانت بعض النفوس الحساسة في حلب تشعر بأنه لا بد وأن تقع هذه الحرب ولو بعد أعوام. وسبب الشعور بذلك هو ما يحس به الباحثون عن أحوال أوربا- خصوصا عما يجري بين الأمتين ألمانيا وفرانسة- من المراقبة والتحفز على بعضهما إذ أنهما ما برحتا منذ أربعين سنة- أي منذ انتهاء حرب السبعين حتى الآن- تجد كل واحدة منهما في إعداد المهمات الحربية الجهنمية استعدادا لهذه الحرب الطاحنة، فكأن نار حرب السبعين قد خمدت ظاهرا ولكنها في الباطن كانت تتأجج كالنار المدفونة في الرماد. ولذا قال بعض الساسة: إن الحرب العامة القائمة الآن لم تكن حربا