في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرءوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا. كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلّبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار، فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها، وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب، فلما عزل عاد كل شيء إلى ما كان عليه. فلما كان أواخر محرم سنة ١١٧٨ قبض الوالي المذكور على رئيسهم المعروف بكاور حجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان وامتدحه شعراؤها بعدة قصائد ذكر المرادي بعضها.
وفي جمادى الأولى سنة ١١٧٧ ولدت امرأة من عشيرة الموالي طفلين ملتصقين ببعضهما، شاهده ألوف من الناس، ثم مات أحدهما وعاش الآخر ساعتين ومات. وفي السنة المذكورة أعني سنة ١١٧٨ اجتمع أكابر أهل حلب وقدموا للدولة محضرا في سوء حال قاضيهم مصطفى أفندي ابن أحمد أفندي داماد، غير المذكور آنفا، وبينوا فيه ظلمه وحرصه وارتكابه، وبرهنوا على ذلك، فعزلته الدولة عن حلب ونفته إلى قونية. وفي شوال هذه السنة ولي حلب أحمد باشا مير ميران وسماه في تاريخ ابن ميرو «محمد باشا» وقال إنه حاز رتبة الوزارة في حلب لظفره بعصاة من أهل بياس. وقد ولي سلفه عظم زاده ولاية الرقة. وفي خامس ذي القعدة منها هجم خنزير بري على المدينة نهارا ولما دخلها اشتد عدوه ولم يزل هكذا حتى دخل الجامع الكبير والناس والكلاب يركضون وراءه فأغلقوا أبواب الجامع وعاجلوه برجم الحجارة حتى قتلوه.
وفي جمادى الآخرة سنة ١١٧٩ أنعم حضرة السلطان برتبة الوزارة على أحمد باشا والي حلب. وفيها كان الغلاء شديدا بحلب، بيع فيه رطل الخبز باثنتي عشرة بارة. وفي شوال سنة ١١٨٠ ولي حلب علي باشا كور أحمد باشا زاده.
[نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده:]
وفي محرّم هذه السنة صدر الأمر السلطاني بنفي السيد محمد طه زاده نقيب أشراف حلب. وسبب ذلك أنه بقي زمنا طويلا في نقابة حلب واكتسب شهرة عظيمة واتسعت