لعادته فلا يتذمر منها ولا يدعي ما يدعيه الجندي العربي من سوء الحالة، ولا يراها صالحة أن تكون عذرا يبيح له الهرب من الجندية.
تراه يهجم على عدوه الذي يمطره وابلا من الرصاص والقنابل وهو جائع عريان غير هيّاب ولا وجل، لا يحدث نفسه بمخالفة أمر قائده ولا بالهرب من الجندية مهما اقترب منه الخطر وحاق به الهلاك.
قيل: إن أول من مدح الترك وأثنى على شجاعتهم علي بن عباس الرومي في قوله:
إذا ثبتوا فحصن من حديد ... تخال عيوننا منه تحار
وإن برزوا فنيران تلظّى ... على الأعداء يضرمها استعار
وقال آخر في حق القفجق:
وفتية من كماة الترك ما تركت ... للرعد كبّاتهم صوتا ولا صيتا
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
قال الجاحظ في آخر رسالته: وقد انتظمت للتركي جميع معدّات الحرب ففاق بها جميع الأمم، ومن حاز هذه المحاسن فقد حاز مزايا ينطوي تحتها الكرم وبعد الهمة وأصالة الرأي والفطنة والحكم والعزم والحزم والكتمان والثقافة والبصر في الخيل والسلاح والخبرة بالرجال والبلاد، إلى آخر ما يحتاج إليه المحارب من أساليب القيادة وتعبئة الجيوش والخدع الحربية.
[معارف الأتراك]
كل من كتب شيئا عن أحوال الأتراك أقرّ بشجاعتهم وشدة بأسهم، حتى قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم: إن ملوك الترك يسمون ملوك السباع لما اتصفوا به من الشجاعة وشدة البأس. غير أن جميع من وصفهم بهذه الأوصاف وخصهم بتلك المزايا قد سكت عن بقية صفاتهم الحميدة ومنهم من عدّهم من الأمم التي لم تعن بالعلوم والفنون. وقد نشأ ذلك من عدم التدبر «١» والتبصر في أحوال هذه الأمة