حلب، فأغار «قمص» على حمص وألجأ السلطان صلاح الدين أن يسير إليه فنكص «القومص» راجعا إلى بلاده. وتم الغرض من رحيل السلطان عن حلب.
[ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز ثم منازلته حلب:]
في سنة ٥٧١ ملك صلاح الدين بزاعة، ثم نازل عزاز. وفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة وثب عليه من الإسماعيلية أحدهم في زي جندي من جند صلاح الدين، وضرب الإسماعيلي رأس السلطان بسكينة صدّتها صفائح الحديد المدفونة في رأسه لكنها لفحت خده فخدشته. فقوي قلب السلطان وحاش رأس الإسماعيلي «١» وجذبه إليه ووقع عليه وركبه، وأدركه سيف الدين بازكوح فأخذ حشاشة الإسماعيلي وبضعه. وجاء آخر فاعترضه أحد الأمراء وجرح الإسماعيلي- ومات بعد أيام- ثم جاء آخر فعانقه الأمير علي بن أبي الفوارس وضمه من تحت إبطيه وبقيت يد الإسماعيلي من وراء ويد الأمير من ورائه، لا يتمكن من الضرب. فنادى الأمير: اقتلوني معه فقد قتلني وأذهب قوتي. فطعنه ناصر الدين بن شيركوه بسيفه، وخرج آخر من الخيمة منهزما فثار عليه أهل السوق فقتلوه.
وبعد هذه النازلة رجع السلطان إلى خيمته خائفا مذعورا والدم يسيل من خدّه وأخذ بالتحرز من ذلك اليوم. ثم بعد أن تسلم السلطان قلعة عزاز بالأمان رحل عنها ونازل حلب في منتصف ذي الحجة وحصرها، وبها الملك الصالح الذي كان حالف السلطان صلاح الدين في السنة قبلها ثم نكث عن محالفته وحالف صاحب الموصل. فسار صلاح الدين لفتح بلاده ونازل حلب وبقي محاصرها إلى تمام السنة، ثم طلبوا منه الصلح فأجاب وأخرجوا إليه بنتا صغيرة لنور الدين فأكرمها وأعطاها شيئا كثيرا وقال لها: ما تريدين؟
فقالت: أريد عزاز. وكانوا علّموها ذلك، فسلّمها إليهم، واستقر الصلح ورحل السلطان صلاح الدين عن حلب في عاشر المحرم سنة ٥٧٢.
وفي سنة ٥٧٣ قبض الملك الصالح على سعد الدين كمشتكين أحد أمرائه لاستبداده بالأمور، وكانت حارم له فطلبها منه الملك الصالح فأبى فعذبه عذابا أليما حتى مات ولم يجبه لطلبه. ثم وصل الفرنج إلى حارم وحاصروها أربعة أشهر فأرسل الملك الصالح إليهم