ثم إن الشرطة تفرقت في أنحاء البلدة وأطفأت نار هذه الفتنة، وألقت القبض على بعض الثائرين. فسكنت الأمور وعادت مياه السلام إلى مجاريها. وفي أثناء قيام الفتنة فتح كثير من المسلمين أبواب منازلهم لجيرانهم الأرمن يحمونهم من الثوار ويدفعون عنهم الهلاك والبوار.
[ذيول هذه الحادثة الكارثة:]
وفي مساء هذا اليوم- أي ليلة السبت ٢٩ جمادى الأولى- اعتقلت السلطة الإنكليزية بضعة عشر رجلا من وجهاء حلب وأعيانها وذوي الشخصيات البارزة منهم، وجمعتهم في دار واحدة غرفها ذات أثاث ورياش، مرخّصة لهم أن يجلسوا مع بعضهم ويستحضروا من منازلهم ما يشتهونه من الأطعمة وغيرها. غير أنها أقامت على أبواب الغرفة حجّابا من الهنود لا يتركون أحدا منهم خارجها، وكان غرض السلطة من اعتقال هؤلاء الجماعة أن تحقق- في أثناء اعتقالهم- أسباب هذه الحادثة لتعلم هل لأحد من وجهاء البلدة دخل في إيجاد هذه الفتنة؟ وبعد أن أبقتهم معتقلين نحو شهر تبين لها أن ليس لأحد منهم يد في إيجادها؛ وإنما كان سببها أمرا فجائيا لم يكن مدبّرا من قبل، فأطلق سراحهم.
اجتماع مهمّ يتعلق بهذه الحادثة:
وفي نهار السبت ٢٩ جمادى الأولى- أي ثاني يوم من وقوع الحادثة- جمع في قاعة الولاية عدد كبير من أعيان البلدة ووجهائها غير المعتقلين، أمر بجمعهم الحاكم العسكري العام وحضر القائد الإنكليزي الكبير «هودسون» ومعه عدد من الضباط الإنكليز والأركان الحربية، والمستر «براين» ضابط الارتباط الإنكليزي، وجودت بك حاكم القضاء العسكري. فقام القائد «هودسون» وألقى على الحاضرين خطابا وصّاهم فيه بأن يفهموا سائر طبقات الشعب وجوب ترك المظاهرات، وإطاعة القانون. وقال: إن الأمير فيصل يجتهد في مؤتمر الصلح بالحصول على استقلال الأمة العربية، وإن الاعتداء على الأرمن وإقامة