وفي سنة ١٠٩٣ كثر فساد العرب في برية دمشق وحلب، وعظم ضررهم وأفحشوا بالسلب والإغارة على القوافل حتى ضجت منهم الولايات، وصدرت أوامر الدولة إلى وإلى حلب ودمشق وبغداد وطرابلس أن يبذلوا جهدهم بالقبض على أميرهم ملحم. فعندها عزم قره محمد باشا والي حلب على أن يأخذ ملحما بالحيلة، فوسّط حاكم المعرة أخا شريف مكة بينه وبين ملحم، فاجتهد المذكور في إحضار ملحم إلى حلب وحلف له على أنه يطلب له العفو من السلطان ويجعله أميرا على العربان. وكان حاكم المعرة داهية وكان متهما بأنه يقاسم الأمير ملحما بالغنائم ويسعى له في بيع ما يلزمه منها، فأراد أن ينفي الظنة عن نفسه بمكيدة ملحم وسعى في إحضاره واجتهد غاية الجهد، إلى أن رضي معه ملحم للحضور بعد أن استوثق منه بالأيمان المغلظة. فحضر معه إلى قرية جبرين، وكان قد أرسل إلى الوالي يخبره بذلك، فأنفذ له الوالي خلعة وخيلا ليغريه بالدخول إلى حلب على أنه يحلف له فيها على ما تقدم.
فركب ملحم إلى حلب، ولحقه من عشيرته خمسون فارسا ينهونه عن الدخول إلى حلب وألحوا عليه بالرجوع، فقبل منهم ورجع إلى مخيمه، وقال لأخي الشريف المتقدم ذكره: لا سبيل إلى دخولي المدينة فإني آليت على نفسي ألّا أدخل بين الجدران وتحت السقوف لأنها تضيق صدري، فاذهب وقل للوالي إن كان يريد محالفتي فليأت إلى هنا.
ولما لم ينجح سعي أخي الشريف في إقناع ملحم رجع إلى الوالي وأخبره بما جرى، وحين رجوعه أصحبه ملحم باثنين من بني عمه وبمستشاره- وهو أعرابي طاعن في السن- فلما تمثلوا بين يدي الوالي قابلهم بالبشاشة وخلع عليهم وأحسن مثواهم، ثم أرسلهم إلى بيت أخي الشريف وركب في الليل سرا ومعه خمسمائة عسكري بالعدّة الكاملة وقصد مخيّم ملحم في جبرين وكان ملحم قد رحل من مخيمه وأبقى فيه خمسين من قومه، فحاربهم الوالي وبعد أن دافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال قتل بعضهم وأسر منهم ثمانية عشر وفر الباقون.
ثم استدل الوالي من الفلاحين على الأمير ملحم وتبع أثره إلى أن دهمه بغتة عند الصبح في واد بين جبلين بحيث لم يره الأمير إلا عند ما وصل إليه، وكان مع الأمير عدد يسير