هذه الفرقة أعظم فرقة إسلامية وجدت في حلب قديما وحديثا. وكانت بعد عصر الصحابة على مذهب أبي حنيفة النعمان لارتباط حلب ببغداد مقر أبي حنيفة الذي اختار مذهبه المنصور العباسي ومن بعده من الخلفاء إلى أن كانت أواخر أيام سيف الدولة بن حمدان وفد من حران إلى حلب رجل يقال له أبو إبراهيم محمد الممدوح المتصل نسبه بعلي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وهو جد بني الزهراء الذين كانوا نقباء حلب وسراة رجالها فظهر حينئذ التشيع في حلب وفشا مذهب الإمام الشافعي وفي تلك الأيام حدثت بدعة الزيادة في الأذان كما ستعرفه. ثم في حدود الستين والثلاثمائة دخل مذهب الإمام مالك إلى حلب مع جماعة قدموا عليها من المغرب بواسطة استيلاء المعز العلوي على مصر.
وأما المذهب الحنبلي فالظاهر أنه دخل حلب في حدود الخمسمائة تقريبا ولم يزل هذان المذهبان في فشوّ وشيوع إلى سنة ٧٤٨ وفيها عيّن لكل واحد منهما قاض مستقل كمذهب الحنفي والشافعي وكان لكل مذهب منهما قبل ذلك نائب غير مستقل وحينئذ اجتمع في حلب أربعة قضاة لكل مذهب قاض. وكان أول قاض حنبلي موسى أبا الجود فياضا بن عبد العزيز بن فياض المقدسي النابلسي، وأول قاض مالكي أحمد بن ياسين بن محمد بن شهاب الدين أبا العباس الرياحي المالكي. ولم يزل لكل مذهب قاض مستقل إلى أن استولت الدولة العثمانية على حلب فأفردت القضاء في قاض واحد حنفي. ومن ذلك الوقت أخذ المذهب المالكي والحنبلي بالاضمحلال إلى سنة ٩٤٨ وبها توفي علي بن محمد بن عثمان علاء الدين البابي المعروف بابن دغيم، وهو آخر العلماء الحنابلة وآخر حنبلي من أهل حلب.