بإرسال ظريف باشا والي حلب وعبد الله بك البابنسي ومعه بعض أقاربه إلى استانبول، فأرسلوا إليها. وبينما هم في الطريق مات عبد الله بك مسموما، وقيل مات حتف أنفه.
ثم إن والي حلب الجديد نفى تقي الدين أفندي إلى القدس. وقبل وصوله إليها عفت الدولة عنه، فسار إلى الحجاز وحج وتوجه إلى استانبول واستقر في منصب إفتاء حلب، فعاد إليها. ونفى والي حلب أيضا يوسف باشا إلى قونية فسار إليها. ثم صدر العفو عنه فتوجه إلى استانبول ومنها إلى حلب. وقد حاز على رتبة مير ميران.
انتهى ما قصدنا إلى إيراده من أخبار فتنة حلب، وقد أسهبت الكلام عليها خلافا لما ألزمت به نفسي من الإيجاز في غيرها من الحوادث والكوارث؛ لأن هذه الفتنة الفاجعة آخر الفتن الأهلية في حلب، ولأن التحدث بها لا يزال يدور على الألسن بين حين وآخر لقرب عهدها بكثير من الناس الذين كان آباؤهم يحدثونهم بنتف من أخبارها وهم في توق شديد إلى سماعها مفصلا.
[استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان ورابطة الجوار عند أمة العرب في جاهليتها وإسلاميتها]
إن قيام الغوغاء في هذه الحادثة على النصارى- إخوانهم باللسان والجوار- مما لم يسبق له نظير من يوم فتح المسلمون مدينة حلب إلى يوم ظهور تلك الحادثة. فما كان قيامهم هذا بالحقيقة إلا نزعة شيطانية أثارها في أدمغتهم عاصفة الطيش والجهل، الذي «١» يأباها الدين وترفضها حقوق رابطة اللسان والجوار.
إن كل من يتصفح وجوه التاريخ ويستقصي أخبار العرب في جاهليتها وإسلاميتها يتضح له جليا أنه لا يوجد على وجه البسيطة أمة تضاهي أمة العرب من جهة احترامها الرابطة اللسانية وحقوق الجار:
[الرابطة اللسانية:]
أما الرابطة اللسانية فقد جعلتها الأمة العربية هي الجامعة الوحيدة للوحدة القومية التي