وترى طيور الماء في وكناتها ... تختار حرّ النار والسفّودا
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى ... عادت عليك من العقيق عقودا
يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرّك لنا عودا وحرّق عودا
وتحرير هذا الخبر هو أننا أمسينا يوم الخميس ٣٠ كانون الأول الرومي والغيوم البيضاء متلبدة في السماء والهواء لطيف معتدل، وما كاد ينقضي الهزيع الأول من الليل حتى أخذ الثلج يتساقط بكثرة فاستبشرنا بذلك لأن الأرض كانت عطشى مشتاقة إلى الماء، وبعض الزروع الشتوية قد أشرف على التلف. فنمنا ليلتنا فرحين مسرورين إلى أن كان الصباح نهضنا من مضاجعنا لقضاء حوائجنا فما راعنا غير الثلج المتكاثف قدر ذراع وقد تغير الهواء وقرس البرد والغيوم باقية على تلبدها، تثلج مرة وتمسك أخرى، مستمرة كذلك مدة سبعة أيام متوالية، إلى أن كان مساء يوم الخميس سادس كانون الثاني اشتد الدمق «١» وبرد الهواء حتى هبط الزئبق إلى الدرجة العاشرة تحت الصفر في مقياس السانتغراد تحت السماء، فجمد الثلج القديم وتكاثف فوقه الثلج الحديث قدر ذراع والغيوم لم تزل متلبدة ترسل الثلج تارة وتمسكه أخرى، إلى أن انقضى كانون الثاني وتم العقد الأول من شباط. وفي هذه الأثناء قرس البرد حتى بلغ درجة لم نشهد نظيرها فيما مر من حياتنا ولا حدثنا الأشياخ أنهم شاهدوا نظيرها قطّ، فقد أصبحت أصقاعنا في هذه الأيام تضارع الأصقاع القريبة من القطب الشمالي المعروفة باسم (سبيريا) حيث يهبط الزئبق إلى الدرجة الثلاثين تحت الصفر، وقد هبط عندنا في هذه الأيام إلى الدرجة الرابعة والعشرين. وفي رواية- عمن عني بهذا الأمر وحققه- أن الزئبق هبط في بعض الأيام إلى الدرجة السابعة والعشرين تحت الصفر بالمقياس المذكور.
تأثير الثلج والقرّ:
وقد نجم عن هذا الثلج والقرّ العظيمين وقوف حركة القطار الناري مدة ثلاثين يوما بين حلب ودمشق وبيروت، ثم سار من حلب إلى حمص بعد عناء شديد وبقيت الطريق مسدودة من حمص إلى بيروت ودمشق إلى أوائل شباط، فكأن القطار كان يعتذر عن وقوف حركته في لبنان بقول المتنبي: