عليه لما يعلمه من نفسه بأنه أول من يستحق العقوبة والتنكيل على سابق أعماله، فأظهر للمشير في دمشق أنه يريد الرجوع إلى حلب ليحضر بقية جنوده. وقبل أن يأذن له المشير بالرجوع إلى حلب نهض من دمشق في الليل وكرّ راجعا إلى وطنه من طريق حلب إلا أنه لم يدخلها بل توجه إلى جهة «ويران شهر» من خارج حلب.
وحينما تحققت الحكومة هربه أرسلت في طلبه الجنود من حلب يقتفون أثره فلم يدركوه إلا في جهات ماردين معتصما في جبل هناك، فشددوا عليه الحصار مدة شهر، ولما علم بأن لا مناص له من سطوة الجنود ركب جواده وقصد أن يسلم نفسه طائعا مختارا. وكان التعب والسهر قد أنهكا جسمه واستولى عليه الهم والغم، وبينما هو راكب جواده إذ وقف ونزل إلى الأرض وفي برهة دقائق فاضت نفسه. والمروي عن هذا الرجل أنه كان يوجد عنده نحو مليونين من الليرات وأنه عمل نفقا خفيا في الأرض وكنزها فيه، وأن المعمار الذي عمل له هذا النفق قتله حالما فرغ من عمله كيلا يخبر عنه. وقيل إن هذا النفق لا يدري مكانه سوى ولده الكبير والله أعلم. وعلى كل حال فإن إبراهيم باشا كان على جانب عظيم من السخاء والدهاء والشجاعة، يتكلم باللغة الكردية التي هي لغة آبائه وأجداده وعشيرته، وباللغة العربية التي هي لغة أمه وزوجته، وباللغة التركية التي هي لغة الدولة.
ويذكر أنه أنشأ في سواريك مكانا شبه تكية يطعم فيها الفقراء والمسافرون رحمه الله.
[الشروع بانتخاب النواب المعروفين بالمبعوثان:]
وفيها في رمضان وردت المضابط من مراكز أقضية الولاية تفيد بأن عدد ذكور الولاية الذين أعمارهم فوق الخامسة والعشرين ٢٨٤١٠٢ نسمة، فاتضح من ذلك أن عدد المبعوثين الذي يجب انتخابهم من ولاية حلب ستة أشخاص لكل خمسين ألف ذكر تقريبا شخص.
[تنازل السلطان عن أملاكه ومزارعه:]
في هذا الشهر تنازل السلطان عبد الحميد خان إلى بيت المال عن دخل جميع المسقّفات المعروفة باسم الأملاك السنية، والقرى والمزارع المعروفة باسم الجفاتلك الهمايونية في سائر البلاد العثمانية. وكان دخلها يقدر بربع دخل جميع المملكة العثمانية، وكان السلطان يستأثر