شيء له مغزى سياسي يقصد به خلعه أو اغتياله. مثلا أطلق مسدسه الذي يصحبه دائما على إحدى حظياته فأرداها في الحال، وذلك لأنها دخلت عليه دون استئذان منه، فأطلق عليها عياره قبل أن تفوه بكلمة متوهما أنها أتت لاغتياله، وكم مرة أمر بتغريق إنسان لمجرد ما أخبر به عنه جواسيسه من أنه أثنى على مدحت باشا ورحّم عليه «١» ، أو لمجرد ما بلغه عنه أنه مرّ من قدام قصر السجين السلطان مراد، أو قصر السجين الآخر محمد رشاد.
[استخدامه الرجال في مآربه وكيفية سياسته معهم:]
كان من جملة المؤيدات لبقائه على كرسي السلطنة- طيلة هذه المدة- استعماله سياسة التفريق، وذلك أنه حشد حوله أشخاصا لهم ظهور في أقوامهم من كل ملة تستظل بالراية العثمانية، اختار من كل إقليم منها رجلا فأدناهم من حضرته وطفق ينهال عليهم بالعطايا الجزيلة والمرتبات الشهرية والرتب السنية والأوسمة العلية، فملك أفئدتهم وأدهش عقولهم وكمّ أفواههم عن إظهار مساويه، وأطلق ألسنتهم بحمده وشكره وإذاعة محاسنه يملؤون بذلك صفحات المؤلفات وأعمدة صحف الأخبار. وكل واحد منهم يرى من قدس واجباته استمالة قلوب أهل إقليمه إلى محبة هذا السلطان والإخلاص بولائه، قد أرصد نفسه لأجل إقليمه وناحيته ونصبها لهم كالباب المفتوح يتوصلون بواسطته إلى السلطان لقضاء أوطارهم التي هي طلب المعاش أو الرتب أو الأوسمة أو الإنقاذ من الظلم أو إحقاق الحق أو إبطال الباطل أو عكس ذلك. ولا تسل عما كان يتسرب إلى هذا الباب من الأموال والتحف والطرف التي يعجز اليراع عن إحصائها.
وكان عبد الحميد سيّىء الظن حازما محترزا، يخشى من أن يجرّ البطر وسعة النعمة أولئك الرجال إلى الانقلاب عليه، وأن تدعوهم الضمائر الحرة إلى التبرم من جبروته، ويتفقوا على إظهار حقيقته أو على الأقل أن يخفوا عنه ما يجري حوله من مناوئيه، وما يدبره له أعداؤه ورقباؤه من أسباب البوار والدمار كما دبروا لعمّه السلطان عبد العزيز خان.
فكان السلطان- دفعا لهذه الاحتمالات- يستعمل مع الرجال المشار إليهم سياسة التفريق، فلا يغفل في كل حين وآخر عن إلقاء الشحناء والبغضاء بينهم. وطريقته في ذلك