لانحياز ذويها إلى الدولة العثمانية، من جملتها منزل يوسف باشا شريف، فقد احترق هذا المنزل كله وأصبح رمادا كأن لم يكن.
[مجيء عسكر الأرناود إلى حلب:]
وفي سنة ١٢٥٧ وفد على حلب نحو ثلاثة آلاف من عسكر الأرناود، وكان قدومهم من بلاد أشقودرة، وقد جاؤوا إليها بإشارة من الدولة إرهابا للحلبيين لما كانت الدولة تتخيل منهم إحداث بعض الفتن، ومن ثم كانوا يفعلون أمورا فظيعة تدل على عتّوهم وتوحشهم ليعظموا في أعين الحلبيين، منها أنهم كانوا يخرجون الجرذان من المراحيض ويشوونها في الأتون ويأكلونها، وربما وضعوها في مقلاة السمك، وكانوا يأكلون الفأر وأجراء «١» الكلاب على هذا النسق. ومنها أنهم كانوا يفعلون الفاحشة والزنى بالعجائز والشيوخ. ولما تمادى فسادهم وضجر منهم الحلبيون قاموا عليهم وحصروهم في خان البيرقدار- بالقرب من السوق الصغير- وكثر إطلاق الرصاص من الطرفين. وخاف كبراء البلد من تفاقم الحال فحضر إليهم المتسلم عبد الله بك وأمرهم بالرحيل قبل أن يفتك بهم الحلبيون، فسمعوا مقاله وأقلعوا من حلب ليلا. وفي سنة ١٢٥٨ ولي حلب محمد وجيهي باشا. ثم في سنة ١٢٦١ وليها عثمان باشا.
[غلاء شديد:]
وفيها كان الغلاء شديدا، بيع فيه شنبل الحنطة بمائة وخمسين قرشا. وكان قبل البيدر بخمسة وعشرين قرشا. وكان كلما اشتد البرد واقترب الشتاء تقلّ الأقوات من البلد حتى انعدمت، وهاج الناس وصاروا يأكلون الحشيش والعشب. ومع شدة الغلاء في الحبوب كانت بقية المأكولات رخيصة: فكانت قيمة رطل الأرز بثلاثة قروش وربع قرش، ورطل اللحم الخالص بسبعة قروش ونصف، ورطل التين بقرش ومثله الزبيب، ومائة الجوزة بثلاثين بارة. ولما اشتد الخناق بالناس ونفذت المؤنات أمر الوالي المحتكرين أن يفتحوا مخازنهم ويبيعوا ما فيها من الغلّة ففعلوا، واشتغلت الأفران وازدحم الناس عليها وبيع رطل الخبز فيها بثلاثة قروش ونصف. وبالجملة فإن الناس قاسوا شدة عظيمة في شتاء هذه السنة