للثكنة وتعسكره وتسوقه إلى الجهة المعيّنة لمثله. وربما بقي على هذه الحالة مدة أربعين أو خمسين يوما فيشرف فيها على التلف.
وكان الناس يسمّون رجال الدرك الذين يقبضون على الناس «أهل الحبلة» فمتى أحس بهم واحد من رأس السوق مثلا يناد: الحبلة الحبلة. فيعدو للهرب من لم يكن معه وثيقة.
واشتهر من زعماء هؤلاء الرجال جماعة بالظلم والقسوة ونالوا ثروة طائلة من هذه المهنة.
وكان أحدهم قبل الحرب لا يملك شيئا وللناس فيهم زجلات مضحكة يتغنّون بها في خلواتهم، وكان هؤلاء الرجال يأخذون الرشوة من بعض الناس مشاهرة ويدعونهم في حوانيتهم. وكانوا لا يبالغون من التجاهر بأخذ الرشوة ولا يخافون من أن يطّلع عليهم رؤساؤهم. وبسبب ذلك كان الناس يعتقدون أن رؤساء هؤلاء الزعماء شركاء معهم.
وإن تشدد العسكرية في القبض على الناس قد أضرّ بهم ضررا عظيما لأن أكثر مواليد السنين المذكورة كانوا يضطرون للاختفاء، فيبقون من غير كدّ ولا كسب مع أنهم أصحاب عيال وأطفال فيبيعون ما عندهم من الأثاث والثياب ليصرفوا أثمانها في قوتهم الضروري ثم ينفذ «١» ما عندهم فتضطر عيالهم للتسؤّل وربما مات أحدهم جوعا. وكان عذرهم في الفرار من التجند ما يسمعونه ويشاهدونه من سوء حالة العساكر في مأكلهم وملبسهم وقسوة الضباط عليهم، فيرون الموت في أوطانهم أهون عليهم من الموت في جنديتهم.
[تظاهر المستخدمين بالرشوة وسلب الأموال الأميرية:]
وفي هذه السنة، بعد أن سافر جمال باشا من هذه البلاد وتحقق انفكاكه عنها الأشرار المستخدمون من الملكيين والعسكريين، ازداد تجاهرهم بالرشوة والتسلط على أموال الناس والدولة، فعمّ فسادهم وكثر فجورهم. وكان المستخدمون في محطات السكك الحديدية أعظم الجميع تكالبا وأشدهم شرها في سلب الأموال. كانوا لا يمكّنون تاجرا من شحن بضاعته إلى جهة ما إلا بعد أن يأخذوا منه رشوة، مبلغا يكفي شرههم، وإلا قالوا له:
الشحن ممنوع. وكان كثيرون من التجار تضطرهم الحال إلى أن يشركوا معهم في أرباحهم معتمد المحطة المعروف باسم (القوميسير) وإلا بقيت بضاعتهم مطروحة على الأرض.