انتهى ذكر الحمامات التي نقل أسماءها أبو ذر عن ابن شداد ولم نهمل منها سوى القليل وربما يبلغ عددها ١٧٥ حماما.
ثم قال ابن شداد: وهذه الحمامات التي ذكرتها بحسب ما وصل إليه علمي وفارقت عليه بلدي في سنة ٦٥٧ وهي على هذه الكثرة لا تكفي أهل حلب ولقد بلغني أنها في العصر الذي وضعت فيه هذا الكتاب دون العشرة. إن في ذلك لعبرة لمن يتفكر أو يخشى وتذكرة يتحقق بها القدرة على الفناء بعد المنشأ. اه. كلام ابن شداد.
[ما يستنبط من كلام ابن شداد]
ابن شداد هذا هو محمد بن إبراهيم بن علي الحلبي. ولد ففي حلب سنة ٦١٣ وسافر إلى القاهرة سنة ٦٥٧ وفيها كانت وفاته سنة ٦٨٤. ولا شك أن سفره إلى القاهرة كان هربا من التتار الجنكزية الذين زحفوا على حلب في أواخر هذه السنة. والذي يمكن استنباطه من عبارته السابقة أن هؤلاء التتار قد خربوا حلب على آخرها وأنه لم يبق من مبانيها سوى القليل الذي من جملته عشر حمامات. على أن بقاء القليل من هذه المباني ربما كان عن غفلة من التتار لا عن قصد. وإنّ أهل حلب قد عمهم الفناء وأقفرت منهم المنازل كما ألمعنا إلى ذلك في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان (زحف التتار على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها) ، في الكلام على (النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي) .
[عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس]
ومما يستنبط من عدد الحمامات التي ذكرها ابن شداد أن عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس أي قبل زحف التتار عليها لا يقل عن ٦٥٠٠٠٠ نسمة أي ستمائة وخمسين ألفا.
بيان ذلك أن الحمامات الموجودة الآن في حلب اثنان وأربعون حماما. فإذا فرضنا أن عدد سكان حلب في أيامنا هذه يبلغ نحوا من مائتي ألف نسمة وقسمنا هذا العدد على اثنين وأربعين حماما لحق كل حمام منها نحو من ٤٧٦٢ نسمة تقريبا فإذا اعتبرنا الحمامات التي عدها ابن شداد في باطن حلب وظاهرها فقط (أي عدا حمامات الدور) ١٤٠ حماما