والأعيان الذين كانت موائدهم في المدينة المنورة مبسوطة للصادي والغادي، فلما وصلوا حلب وليس معهم من المال سوى القليل اشتد عليهم الخطب والكرب رغما عما كان يبذله لهم بعض الحلبيين الكرام من القرى والمعونات، إلى أن خصصتهم محاسبة الأوقاف بمبلغ من أموالها المشروطة لفقراء الحرمين المحترمين، فخفّ عنهم بعض ما كانوا يجدونه من شظف المعيشة.
كان إجلاء أهل المدينة المنورة عنها من جملة الأمور التي نفّرت قلوب العرب عن الحكومة العثمانية، وكانت القلوب تزداد نفرة واشمئزازا حينما كنا نسمع من أولئك الجاليات أخبار مظالم القائد العسكري هناك وما فعله بالعوالي «١» وأهلها من الفظائع.
[سقوط القدس في يد الإنكليز:]
وفيها تواردت الأخبار بأن القدس الشريف وغيرها من بلاد فلسطين دخلت في حوزة الدولة البريطانية، وأن جيوشها تقدمت إلى جهة السّلط وغيرها من تلك الديار.
[عزل جمال باشا وسفره:]
وفيها وصل جمال باشا إلى حلب معزولا من القائدية العامة. وألقى في بعض الأندية خطابا أوهم به الناس أنه لم يعزل وإنما هو عازم على السفر إلى الآستانة لبعض شؤون مهمة، وأنه عما قريب يعود إلى وظيفته. وكأنه أراد بهذا الإيهام بقاء مهابته في النفوس كيلا يتجرّأ أحد على اغتياله. وكأن ولاة الأمور في الآستانة أدركوا في ذلك الوقت أغلاطه وخطاياه في هذه الوظيفة فعزلوه. ويا ليتهم كانوا يفهمون ذلك قبل أن يعضل الداء ويتعذر الشفاء.
[تعيين نهاد باشا قائدا بدل جمال باشا:]
وفيها قدم على حلب قائدا عاما- بدل جمال باشا- نهاد باشا. وهو شاب جميل الطلعة بشوش الوجه دمث الأخلاق، متباعد عن مواضع الريبة، ميّال للخير. تمنى الناس أن لو كان ندب لهذه الوظيفة في أول الحرب، أما الآن فماذا عساه يفعل وقد اتسع الخرق على الراقع ونفذت سهام القدر ولم يبق في القوس منتزع؟