قطع بلور الثريا وسقطت على فرش القاعة وتكسرت إربا إربا، فاستولى الرعب على الحاضرين، وبينما كانت قلوبهم تهتز طربا بأنغام الموسيقى صارت أقدامهم تهتز بالزلزال هلعا ورعبا. غير أن السلطان لم يبرح جالسا على عرشه بجأش رابط وقدم ثابت، وقد هرع أكثر الحاضرين إلى القاعات المجاورة لقاعة العرش، ومن بقى منهم ضجوا يستغيثون بالله ويطلبون منه النجاة. ثم إن السلطان لما رأى انقطاع المعايدة وخروج الناس نهض عن العرش بوقار وهدوء ومشى الهوينى نحو قاعة الاستراحة.
قال الأستاذ: أما أنا فلبثت في قاعة العرش وقلت لنفسي: إلى أين الفرار من هذه القاعة السلطانية قاعة العظمة والجلال التي لا مثيل لها بين قاعات ملوك الدنيا كلها؟ فإذا كانت الزلزلة تهدم هذه القاعة (لا سمح الله) فتهدم معها القصر بتمامه، وإذا كان الأجل دنا فالموت في قاعة العرش الفسيحة وتحت قبتها العظيمة أمر عظيم لا يحصل كل يوم لأيّ من كان ولا أستطيع أن أختار له مكانا أحسن من هذا المحل.
ثم إن الهزة قد خفّت وزال الخطر وعاد السلطان إلى مكانه. وأتم بقية المعايدين فروض المعايدة على الوجه الذي سلف بيانه، ثم نهض السلطان بين هتاف الدعاء الملوكي والنغم الموسيقى وسار عائدا إلى قصر يلديز محفوفا بكتائب الجنود، والخدم ينثرون الدنانير في الطريق على الفقراء الذين كانوا يدعون للسلطان بالإقبال وطول العمر.
[سلام الخلافة:]
سلام الخلافة هو أن ينحني الإنسان إلى الأرض بنصف جسمه (كأنه راكع) ويمد يده اليمنى إلى أن تلمس الأرض ثم يرفعها إلى جبينه باحترام، ويكرر ذلك ثلاث مرات بين كل مرة وأخرى فترة من الزمن، كأنه يشير بذلك إلى أن تراب أقدام الخليفة على الرأس والعين. قال الأستاذ: ورأيت من كرر ذلك السلام أكثر من ثلاث مرات ومشى القهقرى مسافة طويلة، ووجهه يحاذي وجه السلطان ولا يلفت إليه ظهره حتى يغيب عن منظر السلطان.
[نبذة في الكلام على الزلزلة:]
قال الأستاذ الصابونجي: ولما كانت الزلازل من أعظم المصائب التي نكبت بها الكرة