الأقوات والمهمات، وصاروا يتعرضون- حينما تسنح لهم الفرص- إلى سكان قرية السويدية والزيتونية والحسنية بالنهب والسلب. وعندها اهتمت الحكومة بشأنهم وأنفذت العساكر لكبحهم فقصدت أماكن اعتصامهم، وبعد أن قاومهم الأرمن مقاومة عنيفة وجرح من الجنود كثيرون تحقق الأرمن أنهم مأخوذون لا محالة، فتركوا معاقلهم وأسرعوا بالهرب ليلا إلى جهة البحر وكأنهم كان لهم- مع المدرعة التي حملتهم- إشارات خصوصية مصطلح «١» عليها فيما بينهم، فلم تشعر العساكر التركية التي تتعقبهم إلا ومدرعة ضخمة قد حضرت إلى ثغر السويدية، وصارت تطلق قنابلها على الجنود الذين اضطروا حينئذ للتغيب والتواري بين غابات السويدية ووراء آكامها. وفي ذلك الأثناء تقدم العصاة إلى جهة البحر تحت حماية قنابل المدرعة، وقد أعدت لهم الزوارق والقوارب فركبوها زمرة بعد زمرة، وكانوا نحو خمسمائة شخص. ثم أقلعت بهم المدرّعة وغابت عن العيون غير أن الجنود التركية- رغما عن هذا كله- ظفروا بعدد عظيم من المتمردين وسلموهم إلى إدارة سوق المهاجرين فأجلتهم إلى الجهات المعينة لهم.
[أحزاب الأرمن في حلب:]
قال في الكتاب المذكور: اجتمع في حلب عدد عظيم من جالية أرمن الأناضول وغيره، فرتبوا منهم عصابات وضعوا لها تعاليم، من أحكامها أن تتزيا العصابات بالزي العثماني وتسير إلى جهات موش وبتليس، وتنسف في طريقها أنفاق خط سكة الحديد وتتعرض للقوافل وتغتال بعض كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين، وتقتل ما تصادفه في طريقها من العساكر الذين رخص لهم بالذهاب إلى بلادهم لتبديل الهواء، ثم تلتحق تلك العصابات بجيوش الروس، على ألّا تتظاهر بأعمالها إلا بعد خروجها عن حدود حلب؛ كيلا يتضرر الأرمن في حلب. وقد نمي خبر هذه العصابت إلى الحكومة قبل شروعها بأعمالها، فظفرت الحكومة بالجمعية التي ألّفت هذه الأحزاب وألقت القبض على سبعين شخصا كانوا يعاونون الجمعية ويمدّونها بأموالهم وآرائهم، وسلمت الجميع إلى الإدارة العرفية، فظهر من اعترافهم والأوراق التي وجدت عندهم ما كتبناه عنهم في هذا الفصل.