اضطرت حكومة النمسا إلى عمل مناورة حربية إرهابا لسربيا لتكرهها على قبول مضمون الإنذار، وأطلقت جنود الحكومة النمسوية بعض كرات مدافعها على حدود سربيا تهديدا لها. وكانت حكومة سربيا قد علا صراخها استنجادا بالدول العظمى، فقامت عساكر روسيه على حكومتها وأكرهتها على تعبئة جيوشها وإشهار الحرب على ألمانيا توصلا إلى محاربة حليفتها النمسا. ثم شبت نيران تلك الحروب على الوجه الذي سنبيّنه.
[بيان أن هذه الحرب كانت مقررة قبل هذه الحادثة:]
سمّيت هذه الحادثة سببا ثانويا للحرب لأن العقل يستبعد أن تكون هذه الحرب- التي قامت من أجلها الدنيا وقعدت- مسبّبة عن تلك الحادثة الاعتيادية التي يكثر وقوع نظائرها في أوربا فلا تأبه بها. غاية ما يمكن أن يقال في هذه الجريمة أنها كانت سببا لتعجيل إعلان الحرب لا سببا لوجودها. ودليلنا على ذلك ما كنا نراه في حلب من الحركات العسكرية الدالة على الاهتمام بالتأهب والاستعداد إلى مباغتة المستقبل بأمر عظيم، فإن الضباط العسكريين كانوا قبل إعلان الحرب بأشهر يحضرون بين حين وآخر إلى خانات التجار ويسجلون مقادير ما عند كل تاجر من البضائع والغلات وأحيانا يأمرون التجار بالإمساك عن بيع بعض البضائع الموجودة عندهم. ثم قبل إعلان الحرب بنحو شهر أو أكثر دعت جهة العسكرية عرفاء المحلات المعروفين بالمخاترة وأعطت كل واحد منهم مغلفا مختوما على صحيفة مكتوبة، وأمرته بحفظه عنده مع بقائه مختوما، وحذّرته من فتحه ووعدته بالقتل إن هو فتحه قبل أن تأمر بفتحه. فكان المختار يأخذ المغلّف ويحفظه في أحرز مكان عنده.
ومن الأدلة الساطعة على أن هذه الحرب كانت مدبرة مقررة- قبل حدوث نكبة الاغتيال- قول جمال باشا في مذكراته أثناء كلامه على التحالف التركي الألماني: إن عرض ألمانيا على تركيا التحالف معها لم يكن إلا لانزعاجها لتأهبات خصومها. وقال السير روجر كيسمنت الإرلندي في كتابه الذي ألفه تحت عنوان «الجريمة التي ارتكبت ضد أوربا» : إن الخلاف الذي وقع بين السرب والنمسا لم يكن سوى شطر يسير جدا من المسألة الكبرى التي قسمت أوربا على ما نراه فيها من الأقسام المسلحة. وأكبر دليل على ذلك تقرير أرسله السير «ج بوشنان» بمناسبة الطلب الذي قدمته حكومة روسيا إلى سفير